يُمثل ارتفاع درجة حرارة كوكب الأرض خلال العقود الأخيرة أبرز المخاطر التي تٌهدد الحضارة البشرية، وذلك بسبب التغيرات الخطيرة في مناخ الكوكب وتأثير ذلك على العمران وصحة الإنسان وسلامته وقدرته على توفير الغذاء والأمن والأمان.

ومن براهين ذلك ما حدث خلال العام الجاري إذ كان فصل الصيف في نصف الكرة الشمالي الأشد حراً على الإطلاق منذ وقت طويل. وقد شهد العامُ عدداً من الكوارث الطبيعية، حيث مات خمسة آلاف شخص على الأقل في ليبيا خلال عاصفة «دانيال» التي اجتاحت البحر الأبيض المتوسط في شهر سبتمبر الماضي، في حين أسفرت حرائق الغابات في هاواي عن مقتل 115 شخصاً على الأقل.

وبجانب تلك الأحداث، هناك وقائع أخرى تدور في فلك المجاعة والنزاعات المسلحة.. وجميعها كانت نتيجةً لأزمة التغير المناخي التي تقض مضجعَ العالَم وخاصة الدول الصناعية المتقدمة. واللافت للنظر هنا أن تلك الدول هي المصدر الرئيسي للانبعاثات الكربونية الناتجة عن الأنشطة الصناعية التي تقوم بها، والتي تعد السبب الأساسي لتغير المناخ، وتحديداً الانبعاثات الناتجة عن حرق الوقود الأحفوري مثل الفحم والنفط والغاز وما تنفثه من غازات الاحتباس الحراري التي تُشكل غطاءً دائرياً حول الكرة الأرضية، الأمر الذي يؤدي إلى رفع درجات حرارة الأرض.

ومن هنا نشأت الفكرة الأصلية قبل 3 عقود لتنظيم حدث عالمي يرتكز على إنشاء مسار متعدد الأطراف، يكون صوت كل المشاركين فيه على قدم المساواة، وذلك بشأن الطريقة الأفضل التي يمكن للعالم من خلالها خفض انبعاثات الغازات الدفيئة. وقد تم الاتفاق أممياً على تسمية ذلك الحدث بمؤتمر الأطراف (كوب) والذي ينعقد في دورته الـ28 في مدينة إكسبو دبي بدولة الإمارات العربية المتحدة خلال الفترة الممتدة من 30 نوفمبر إلى 12 ديسمبر 2023. والهدف الرئيس لذلك الحدث العالمي هو توحيد الجهود العالمية في مجال العمل المناخي وتحديد فرص التعاون المتاحة لإيجاد الحلول في مواجهة التحديات المناخية.

وسيشهد مؤتمر «كوب 28» إجراء أول تقييم عالمي للجهود المستمرة على مدار العامين الماضيين لتحديد مدى التقدم الذي أحرزته حكومات العالم في تنفيذ خطط العمل المناخي لمواجهة الاحتباس الحراري والقضايا البيئية الأخرى ذات الأولوية. كما سيناقش المشاركون العديدَ من القضايا المناخية المهمة تتضمن الحاجة إلى التخلص التدريجي من الوقود الأحفوري والانتقال إلى مستقبل الطاقة النظيفة، فضلاً عن أهمية الاستثمار في تدابير التكيف لمساعدة المجتمعات على مواجهة آثار تغير المناخ، والحاجة إلى زيادة تمويل المناخ لمساعدة البلدان النامية على تحقيق أهدافها المناخية، وأهمية ضمان أن يكون العمل المناخي عادلاً ومنصفاً، وألا يتخلف أحد عن الركب.

وتتطلع شعوب العالم إلى مؤتمر «كوب 28» باعتباره فرصةً كبرى لتضافر جهود جميع الأطراف من أجل التعاون وتوحيد الأصوات وتعزيز العمل المناخي لضمان مستقبل مستدام، ولتسريع عملية تحول الطاقة وخفض الانبعاثات، إضافة إلى رسم خريطة الطريق لبناء القدرة على الصمود في مواجهة تأثيرات المناخ، ومد يد العون لدول العالم بشكل عام والدول النامية بشكل خاص لمساعدتها على التكيف مع آثار تغير المناخ. والهدف النهائي هو مواجهة أزمة التغير المناخي والتخفيف من آثارها المدمرة على كوكب الأرض والإنسان.

*باحث إماراتي