أدى الهجوم الذي شنّته «حماس» على إسرائيل في السابع من أكتوبر إلى تركيز انتباه العالم على «حماس» وغزة. وتمثّل رد الفعل الأولي لمعظم الناس في إدانة عنف «حماس» ووحشيتها، لأنها قتلت نحو ألف و200 شخص، بينهم مدنيون، واختطفت أكثر من مئتين، بينهم نساء وأطفال. إثر ذلك، ردّت إسرائيل بشكل شبه فوري بإعلان الحرب على «حماس» والشروع في قصف غزة. وقالت إن نيتها هي تدمير «حماس»، وإنْ كان معظم المراقبين يرون أن ذلك سيكون مستحيلا، مشيرين إلى أن القصف أدى إلى مقتل الكثير من المدنيين الأبرياء. وفي الأثناء، دعت الأمم المتحدة والعديد من الحكومات إسرائيل للموافقة على وقف لإطلاق النار، ولكن إسرائيل ترفض. وفي غضون ذلك، تضرب القنابل الإسرائيلية مستشفيات غزة ومدارسها، وهو ما يُعد جريمة حرب. ونقلت الصحف والتلفزيونات حول العالم صوراً مروعة وصادمة مركزةً على حقيقة أن هذه الحرب الإسرائيلية تحصد أرواح عدد متزايد من الأبرياء. 
ولكن هناك دراما أخرى تجري أطوارها في الضفة الغربية، ولا تقل خطورة، ولكن يتم تجاهلها إلى حد كبير، لأن الدمار الذي يحدث في غزة صادم للغاية. فمنذ اتفاقيات أوسلو لعامي 1993 و1995 بين رئيس الوزراء الإسرائيلي إسحاق رابين وزعيم منظمة التحرير الفلسطينية ياسر عرفات، اعترفت إسرائيل ومنظمة التحرير الفلسطينية ببعضهما للمرة الأولى، واتُّخذت ترتيبات جديدة خاصة بالنسبة للضفة الغربية. فخضعت أجزاء من الضفة الغربية لإدارة فلسطينية، بينما خضعت أجزاء أخرى لإدارة إسرائيل، وتم الاتفاق على إجراء مفاوضات حول ترتيبات الوضع الدائم.
غير أن تلك المفاوضات لم تر النور أبداً، ولذلك لم يتم حل القضايا المتبقية. وفي الأثناء، قام الإسرائيليون خلال الثلاثة عقود التي تلت اتفاقات أوسلو ببناء مستوطنات في الضفة الغربية أو توسيعها. ولم تستطع السلطة الفلسطينية، المسؤولة عن إدارة الأراضي الفلسطينية هناك، وقفها لأن الحكومة الإسرائيلية كانت تحميها، بل تشجعها. فقد قتلت القوات الإسرائيلية فلسطينيين في الضفة الغربية، ووفّرت الحماية للمستوطنين الإسرائيليين الذين يقتلون الفلسطينيين هناك أو يضايقونهم. 
خلال تلك السنوات، كانت حكومة الولايات المتحدة تحتج على بناء المستوطنات الإسرائيلية بشكل منتظم ومتكرر، ولكن الحكومة الإسرائيلية كانت تتجاهل احتجاجات واشنطن. بل إن رؤساء أميركيين، ومنهم جيمي كارتر، وجورج دبليو بوش وباراك أوباما، كانوا يصدرون نداءات عديدة إلى إسرائيل من أجل وقف بناء المستوطنات، ولكن من دون جدوى. ونتيجة لذلك، هناك اليوم نحو نصف مليون مستوطن إسرائيلي يعيشون إلى جانب ثلاثة ملايين فلسطيني في الضفة الغربية. ويقول بعض الأميركيين إنه من المدهش أن الولايات المتحدة، التي تمنح إسرائيل سنوياً مساعدات عسكرية واقتصادية أكبر من أي دولة أخرى، فشلت في إقناع إسرائيل بوقف هذا النشاط الاستيطاني الذي يُعد غير قانوني بموجب القانون الدولي. وقد يعزى سبب فشل الولايات المتحدة في وقف التوسع الاستيطاني جزئياً على الأقل إلى أن الكونغرس الأميركي جد مؤيد لإسرائيل لدرجة أن حتى الرؤساء الأميركيين لا يستطيعون ممارسة مزيد من الضغط على إسرائيل من أجل حملها على تغيير سياستها التوسعية. وهناك شخصية سياسية أميركية مرموقة واحدة فقط، هي بيرني ساندرز، اقترحت قطع التمويل عن إسرائيل بسبب مشكلة المستوطنات، ولكنها لا تحظى بدعم كبير.
العام الماضي، حينما عاد بنيامين نتنياهو إلى السلطة رئيساً لوزراء إسرائيل، شكّل حكومة هي الأكثر تطرفاً وعنصريةً ومعاداةً للفلسطينيين في تاريخ إسرائيل. وضمّت المتطرفَيْن القوميين الدينيين بتسلئيل سموتريش كوزير للمالية، وإيتمار بن غفير وزيراً للأمن الوطني. وكلاهما يناصران بشكل واضح لا لبس فيه توطين اليهود في الضفة الغربية، التي يشيران إليها باسم «يهودا والسامرة» التوراتية. وبموافقة نتنياهو، دفعا في اتجاه ضم إسرائيل للضفة الغربية بأكملها. كما دعا سموتريتش إلى توسيع المناطق المحظورة على الفلسطينيين حول المستوطنات الإسرائيلية، بما في ذلك فرض حظر على الفلسطينيين الذين يجنون الزيتون بالقرب من المستوطنات. فتزايدت الاشتباكات بين المستوطنين والفلسطينيين. 
وبعد السابع من أكتوبر، ازدادت الأمور سوءا في الضفة الغربية. إذ واصل المستوطنون تخريب ممتلكات الفلسطينيين واقتلاع أشجار الزيتون التابعة لهم. فازداد العنف. ومنذ ذلك الحين، قُتل 150 فلسطينيا من قبل القوات الإسرائيلية، من بينهم 44 طفلا، في حين قُتل 8 آخرون على أيدي المستوطنين الإسرائيليين. وعلاوة على ذلك، قام الجيش الإسرائيلي بتهجير 111 أسرة فلسطينية على الأقل تضم 905 أشخاص قسراً. وبالإضافة إلى أعمال العنف، يقوم المستوطنون بمضايقة الفلسطينيين بشكل منتظم عبر ترك رسائل على سياراتهم تأمرهم بالمغادرة وتقول لهم: «ارجعوا إلى من حيث أتيتم، إننا سنلاحقكم». 
الرئيس بايدن عبّر عن انزعاجه من هذه التطورات. وقال بعد السابع من أكتوبر: «إنني ما زلتُ أشعر بالقلق من هجمات المستوطنين المتطرفين على الفلسطينيين في الضفة الغربية. إنه أمر يشبه صبّ البنزين على النار. يجب أن يتوقف هذا الآن». ولكن حكومة نتنياهو لم تتخذ أي خطوات لوقفه، ولذلك فإن كلمات بايدن باءت بالفشل.
ومن جانبها، لم تستطع السلطة الفلسطينية، التي تدير المناطق الفلسطينية في الضفة الغربية، حماية الفلسطينيين الذين يعيشون هناك سواء من المستوطنين أو من الجيش الإسرائيلي. والآن يقول الرئيس بايدن إنه حينما تضع حرب غزة أوزارها ينبغي أن يُطلب من السلطة الفلسطينية تولّي إدارة غزة بالإضافة إلى الضفة الغربية، بشكل مؤقت على الأقل، وهو ما سيمثّل عودة للسلطة الفلسطينية إلى غزة منذ أن غادرتها في 2007 بسبب نزاعها مع «حماس». ولكن رئيس الوزراء نتنياهو يقول إن لديه تحفظات بشأن أي ترتيب من هذا القبيل، ولذلك، فإن إدارة غزة خلال مرحلة ما بعد الحرب لم تُحسم بعد. وعلى كل حال، فإن نتنياهو أكد أنه عاقد العزم على الحفاظ على سيطرة إسرائيلية قوية على كل من غزة والضفة الغربية. 
وبالمقابل، ترغب إدارة بايدن في رؤية قيام دولة فلسطينية مستقلة، إلى جانب إسرائيل في نهاية المطاف، وهو ما من شأنه إرضاء معظم الفلسطينيين، كما أن سياسة الولايات المتحدة طويلة الأمد تتمثل في دعم حل الدولتين سبيلاً لحل الصراع. ولكن ذلك يتعارض مع خطط نتنياهو، ولهذا من الصعب الآن تصور كيف يمكن أن يحدث ذلك.

*دبلوماسي أميركي سابق