الولايات المتحدة وإسرائيل حليفتان لا يمكن فصلهما. والدعم الأميركي لإسرائيل جزءٌ من الحمض النووي لدبلوماسية واشنطن. وهناك بالفعل توافق بين الحزبين «الديمقراطي» و«الجمهوري» بخصوص دعم إسرائيل، بشكل غير مشروط في كثير من الأحيان. غير أن القصف المكثف الذي ينفّذه الجيش الإسرائيلي على غزة منذ هجمات «حماس» في 7 أكتوبر، أصبح يشكّل مصدر إحراج لبايدن.
هذا الأخير يشبّه بين إسرائيل وأوكرانيا، اللتين تعرضت كل واحدة منهما لهجوم . لكن ما يراه الآخرون، وخاصة في بقية العالم، هو أن الولايات المتحدة وبايدن يندّدان بما يتعرض له السكان المدنيون في أوكرانيا، وليس بالقصف الإسرائيلي لغزة. واليوم، بات عدد القتلى المدنيين في غزة يفوق عدد القتلى المدنيين في أوكرانيا. وبالتالي، فهذا يضر بمصداقية الدبلوماسية الأميركية، وخاصة فيما يتعلق بالقضية الرئيسة بالنسبة لها، ألا وهي: دعم أوكرانيا في مواجهة روسيا. 
فلاديمير بوتين مسرور بهذا الوضع: ذلك أنه كلما تحدث الناس أكثر عن غزة، قلّ حديثهم عن أوكرانيا؛ كما أن ذلك يسمح له بالاستمرار في تعزيز مواقعه، والأهم من ذلك، إبراز ازدواجية المعايير: «أنتم تدينون بعضهم هنا، لكنكم تدعمون بعضهم هناك». وإذا كان هذا الخطاب غير ذي مصداقية من جانب الرئيس الروسي الذي لا يكترث للقضية الفلسطينية حقيقة، فإن هذا الأخير يدرك بالمقابل أن هذه القضية مهمة في دول الجنوب. وبالتالي فإنه من المفيد له أن يُبرز تناقضات السياسة الأميركية وأن يخفي تناقضاته.
وهكذا فإن الولايات المتحدة صديقة إسرائيل، لكنها لا تحصل على الكثير نظير هذا الدعم. ذلك أن المطالب الأميركية المختلفة لإسرائيل بانتهاج سلوك معتدل والحفاظ على أرواح المدنيين لا يستجاب لها. وإسرائيل تتبع منطقها الخاص، ولا تأخذ في عين الاعتبار الطلبات الأميركية على الإطلاق. والواقع أن الأمر يتعلق بقصة قديمة نسبياً. ذلك أنه منذ 1991 وجورج بوش الأب، لم يقم أي رئيس أميركي بالضغط على إسرائيل. وحتى باراك أوباما، الذي كان يريد القيام بذلك، سرعان ما عدل عن ذلك. 
وكان كاتب العمود الأميركي توماس فريدمان، في 2010، حينما قام جو بايدن، الذي كان نائباً للرئيس الأميركي آنذاك، بزيارة إسرائيل وأعلن بنيامين نتنياهو عن بناء مستوطنات جديدة، دعا نائبَ الرئيس إلى إلغاء الزيارة والعودة احتجاجاً على هذا القرار الذي وضع الدبلوماسية الأميركية في موقف محرج. وكتب فريدمان حينها ما يلي: «حينما تكون صديقاً لأحد، فأنت مدين لصديقك بالحقيقة. فإن رأيته يريد القيادة في حالة سكر، فإنك تأخذ منه مفاتيح سيارته ولا تسمح له بالقيادة إلى المنزل وهو في حالة سكر. وبتطبيق هذا المنطق على نتنياهو فهو في حالة سكر، ويقود سيارته في حالة سكر جيوسياسياً، ويجب أخذ المفاتيح منه ومنعه من فعل ما يريد».
توماس فريدمان، وهو يهودي، يمثّل جزءاً كبيراً من الجالية اليهودية الأميركية التي باتت تنأى بنفسها عن إسرائيل وعن الحكومة الإسرائيلية، وترى أن السياسات التي تتبعها الحكومات المتعاقبة بقيادة نتنياهو منذ سنوات لا تخدم مصلحة إسرائيل، ولا مصلحة الولايات المتحدة، ولا مصلحة أمن العالم الغربي على المدى الطويل.
على الصعيد الداخلي، يواجه جو بايدن موقفاً صعباً أيضاً نظراً لأن عدداً متزايداً من «الديمقراطيين» الشباب، وخاصة أولئك الذين تقل أعمارهم عن 35 عاماً، أخذوا يحتجون على هذا الدعم غير المشروط وهم مستاؤون جداً إزاء المصير الذي يلقاه المدنيون في غزة. ويتعلق الأمر هنا بشكل خاص بالمسؤولين المنتخَبين «الديمقراطيين» الشباب، ولكن هناك أيضاً موظفين يعملون لدى نواب يحتجون على الدعم غير المشروط لإسرائيل. وعلاوة على ذلك، فإن الاحتجاجات التي بدأت تشهدها الجامعات الأميركية، بشكل مفرط أحياناً، ولكن أيضاً داخل الحزب «الديمقراطي»، ضد دعم واشنطن غير المشروط لإسرائيل هي حقيقةٌ جديدةٌ كلياً ويمكن أن تغيّر الأمور. 
وهو ما دفع بعضهم للتساؤل الآن حول ما إن كان ذلك سيُضعف بايدن على يساره، وما إن كان هذا الدعم اللامحدود سيؤدي في النهاية إلى خسارته في الانتخابات في وقت تحتدم فيه حملة الانتخابات الرئاسية في الولايات المتحدة، وذلك على اعتبار أن الجناح اليساري للحزب قد يتراجع عن التصويت لصالح بايدن في نهاية المطاف. وهو ما سيشكّل مفارقة لأنه سيفتح المجال لدونالد ترامب -- أو لمرشح «جمهوري» آخر -- مما سيمنح نتنياهو شيكاً على بياض. غير أنه إذا انتُخب ترامب، قد يكون الأوان قد فات بالنسبة لبنيامين نتنياهو الذي سيضطر، داخلياً، لترك السلطة قبل ذلك الوقت. 
بيد أن ذلك يصب في مصلحة فلاديمير بوتين. 
وعليه، فمن الواضح أن موقف نتنياهو اليوم، والسياسة التي ينتهجها في العملية الإسرائيلية في غزة، يضعان الولايات المتحدة وجو بايدن أيضاً في موقف صعب سواء على الصعيد الدبلوماسي أو على صعيد السياسة الداخلية.
*مدير معهد العلاقات الدولية والاستراتيجية في باريس