فيما يعكس الاهتمام الإماراتي بالمعرفة وتطبيقاتها الاقتصادية والاجتماعية المختلفة، استضافت دبي خلال الفترة من 21- 23 نوفمبر الجاري «قمة المعرفة» في دورتها الثامنة التي تم تنظيمها بالتعاون بين مؤسسة محمد بن راشد آل مكتوم للمعرفة وبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي.

وتستمد هذه القمة أهميتها من اعتبارات عدة، أبرزها أنها تدعم مسيرة التعاون المستمرة مع برنامج الأمم المتحدة الإنمائي منذ عام 2014، والتي تتوَّج سنويّاً بإصدار «مؤشر المعرفة العالمي» والذي تتحدد فيه مراتب الدول بالنسبة لمؤشرات تشمل التعليم قبل الجامعي، والتعليم الجامعي، والتعليم الفني، والتدريب الفني، والبحث والتطوير والابتكار، وتكنولوجيا المعلومات والاتصالات، والاقتصاد، والبيئة التمكينية.

وهنا لا بد من التأكيد على حقيقة أساسية، مفادها أنه في ظل إيمان قيادتنا الرشيدة بالمعرفة كركيزة أساسية لعملية التنمية المستدامة، تستمر صدارة دولة الإمارات الترتيب العربي في مؤشر المعرفة العالمي، وتأتي في المرتبة (26) عالمياً ضمن (133) دولة يقيسها المؤشر في العام 2023، تليها كل من قطر (39) والسعودية (40) والكويت (44)، وكانت الدولة قد حلت في المرتبة (25) في مؤشر عام 2022، وجاءت قطر في المرتبة (37) والسعودية (43) ثم الكويت (47)، وعالميّاً تصدرت الولايات المتحدة، وسويسرا الترتيب في عامي 2022 و2023 على التوالي. ويتمتع هذا المؤشر بمصداقية عالية وذلك بالنظر إلى مشاركة جهات دولية مرموقة في تقديم البيانات الخام التي يُعتمد عليها في إعداده، ومنها: البنك الدولي، وصندوق النقد الدولي، ومنظمة التنمية والتعاون الاقتصادي.

ويدعم المرتبة المتقدمة للإمارات في مؤشر المعرفة العالمي وجودها في مراتب متقدمة في العديد من التقارير الدولية، مثل: مؤشر الابتكار العالمي الصادر عن المنظمة العالمية للملكية الفكرية، حيث تأتي الإمارات في المرتبة الأولى عربيّاً والـ (31) عالمياً ضمن 132 دولة، وفي تقرير التنمية البشرية الصادر عن الأمم المتحدة تحتل الإمارات المرتبة الأولى عربيّاً والـ (26) عالمياً ضمن 191 دولة، وفي تقرير سهولة ممارسة الأعمال الصادر عن الأمم المتحدة، تأتي الإمارات في المرتبة الأولى عربيّاً والـ (16) عالميّاً. وفي الواقع، فإن وجود الإمارات قد تعزز في مؤشر المعرفة العالمي عالميّاً وعربيّاً من خلال الجهود المبذولة، لا سيما على صعيد إطلاق المبادرات الاستراتيجية وكذلك على الصعيد التشريعي، فعلى الصعيد الأول، قامت الدولة بإطلاق استراتيجيات عدة للتحول نحو بناء المعرفة، مثل: «رؤية الإمارات 2021» و«الاستراتيجية الوطنية للابتكار»، و«استراتيجية الإمارات للخدمات الحكومية»، و«المنصة الرقمية الموحدة».

أما على الصعيد التشريعي، فقد تم إصدار عدد من القوانين الاتحادية والمحلية لدعم المعرفة وتطبيقات اقتصاداتها، التي تعني المزج بين العلم والتكنولوجيا والإبداع في ظل اقتصاد مستقر ومزدهر وبيئة مشجعة في إنتاج سلع وخدمات عالية القيمة المضافة وتعزز التنمية المستدامة. وقد واكب إطلاق المبادرات الاستراتيجية والتطورات على الصعيد التشريعي، إنشاء أُطر تنظيمية حيوية، لترسيخ الحكومة الإلكترونية، وتعزيز التجارة الإلكترونية، وتطوير التعليم الإلكتروني، وقد أفرزت تلك الجهود قيام كيانات تعزِّز المعرفة وتخدم التوجه نحو اقتصاد المعرفة، مثل: «شركة مصدر»، و«جامعة خليفة للعلوم والتكنولوجيا»، و«جامعة محمد بن زايد للذكاء الاصطناعي» و«مدينة دبي للإنترنت».

وقد أسهمت تلك الكيانات الاقتصادية والتعليمية والتكنولوجية في بلوغ نسبة الصادرات عالية التقنية إلى إجمالي الصادرات السلعية الإماراتية نحو 13.6% عام 2021، وبلغت نسبة العمالة كثيفة استخدام المعرفة إلى إجمالي العاملين نحو 36.1% في العام نفسه، وهما الأعلى عربيّاً.

إن جهود دولة الإمارات لزيادة المكون المعرفي في الإنتاج والتصدير، وتطبيقات الطاقة النظيفة عالميّاً (تدعم «مصدر» تحول الطاقة في 40 دولة بالعالم)، إضافة إلى جهودها محلياً (محطات براكة النووية، ومجمَّع محمد بن راشد للطاقة الشمسية، ومحطة الظفرة للطاقة الشمسية) تعكس قدرة الإمارات من خلال العلم والتكنولوجيا على تحويل الأفكار إلى ابتكارات ضمن استثمارات تدعم نمو الاقتصاد الوطني وتعزز قدراته التنافسية عالميّاً. 

*صادرة عن مركز الإمارات للدراسات والبحوث الاستراتيجية.