عشية انعقاد مؤتمر الأطراف COP28 في دولة الإمارات، يقف العالم عند مفترق طرق حاسم في مجال الحد من تداعيات التغير المناخي، حيث تتسبب درجات الحرارة القياسية والكوارث المناخية بخسائر في الأرواح والممتلكات في مختلف أنحاء العالم، بدءاً من حرائق الغابات الممتدة في تشيلي والأعاصير المتفشية في المكسيك، وصولاً إلى الفيضانات العنيفة في كينيا والصومال وغيرها.
ولذلك تركز الأجندة التي حددتها رئاسة مؤتمر COP28 بدولة الإمارات على تسريع التحول العادل والمنصف والمنظم للطاقة، فذلك ليس مجرد استراتيجية لمواجهة التغير المناخي، إنما ضرورة أخلاقية، ومسألة لا مجال للتردد فيها.
وقد رسم اتفاق باريس للمناخ 2015 توجهاً واضحاً. ومنذ ذلك الحين، أكدت التوصيات والدراسات أهم المحطات الرئيسية التي يجب علينا تحقيقها بحلول عام 2030. ويكمن التحدي الذي يواجهنا الآن في ترجمة أهدافنا إلى خطوات ملموسة قابلة للتنفيذ بهدف الإبقاء على معدل ارتفاع درجة الحرارة عند 1.5 درجة مئوية.
علينا توسيع آفاق تفكيرنا وتسريع التنفيذ. كما نحتاج إلى خفض الانبعاثات الكربونية العالمية إلى النصف تقريباً بحلول عام 2030. ويستدعي ذلك زيادة كبيرة في الاعتماد على الطاقة المتجددة، وتوسيع نطاق التمويل المناخي بشكل جذري، والتحول السريع نحو نماذج اقتصادي مستدامة جديدة منخفضة الانبعاثات.
تحول الطاقة ليس على المسار الصحيح، ولسد هذه الثغرة، يدعو تقرير «نظرة مستقبلية لتحولات الطاقة» الصادر عن «آيرينا» إلى مضاعفة القدرة الإنتاجية للطاقة المتجددة ثلاث مرات ومضاعفة كفاءة استخدام الطاقة مرتين بحلول عام 2030.
حينما نتحدث عن تحول الطاقة وهدف مضاعفة الطاقة المتجددة ثلاث مرات في السنوات السبع المقبلة، علينا تذكر ما يعنيه ذلك والتأثير المحتمل له، فما زال مئات ملايين الناس يعيشون دون وصول أساسي إلى الطاقة ويفتقر 675 مليون شخص إلى الكهرباء، بينما لا يمتلك 2.3 مليار شخص مرافق طهي نظيفة، حسبما بحسب أحدث تقرير للأمم المتحدة حول أهداف التنمية المستدامة.
وفي ظل تلك البيئة الاجتماعية والاقتصادية الصعبة، أمامنا فرصة لتصميم مستقبل للطاقة يشمل الجميع. لكن أثناء ذلك، علينا تخيل وتنفيذ سيناريو يصبح فيه الوصول المتاح إلى الطاقة عالمياً ومستداماً.
يتطلب ذلك سياسات لا تقتصر على دعم الوصول إلى الطاقة، إنما ضمان وصول الطاقة النظيفة إلى الجميع، واعتبار الأفراد والمجتمعات الأكثر تضرراً من الكوارث المناخية أولوية في ذلك التحول، وعلينا مساعدة من لا يشملهم نظام الطاق القائم حالياً، وضمان شمول نظام الطاقة المستقبلي لكل المعرضين لخطر التهميش بسبب مشهد الطاقة المتغير.
التحول إلى الطاقة المتجددة فرصة استثنائية لتعزيز مرونة نظم الطاقة، وتمكين المجتمعات، وتحفيز النمو الاقتصادي، وتحسين جودة الحياة وسبل العيش عبر كل المجالات. تعتبر الطاقة المتجددة متاحة في كل مكان، مما يوفر للدول فوائد اجتماعية واقتصادية ويعزز أمن الطاقة.
ويتضمن مؤتمر الأطراف (كوب 28) هذا العام التقييم العالمي الأول، والذي يقيس فيه العالم ما أحرزه من تقدم في تنفيذ أهداف اتفاق باريس 2015. ومن الضروري أن يتم تحفيز العمل الجماعي عقب هذه المحطة الرئيسية في رحلتنا نحو مستقبل آمن مناخياً.
وأحد العناصر الرئيسية لتحقيق هذا المستقبل هو تعهد الطاقة العالمي خلال مؤتمر (كوب 28)، وهو الالتزام بمضاعفة قدرة إنتاج الطاقة المتجددة ثلاث مرات ومضاعفة كفاءة الطاقة مرتين بحلول عام 2030، حسبما يوصي تقرير «النظرة المستقبلية لتحولات الطاقة في العالم» الصادر عن الوكالة الدولية للطاقة المتجددة (آيرينا).
ويمكن لهذا التعهد، الذي اقترحته رئاسة دولة الإمارات لمؤتمر (كوب 28)، أن يساعد في إنشاء نظام مستقبلي للطاقة خال من إنتاج واستهلاك الوقود التقليدي بحلول منتصف القرن.
ويسعى مؤتمر (كوب 28) إلى ترجمة الالتزامات إلى حلول قابلة للتنفيذ. ومع وجود مصادر الطاقة المتجددة، تتوفر لدينا حلول تكنولوجية تنافسية من حيث التكلفة وقابلية التطبيق الفوري لمنع حرارة الأرض من الارتفاع بأكثر من 1.5 درجة مئوية. وقد حددت (آيرينا) الآن خمسة ممكنات رئيسية لتسريع عملية التحول في مجال الطاقة.
أولاً: نحتاج إلى أطر شاملة للسياسات تعمل على تعزيز حلول الطاقة المتجددة وآليات كفاءة استخدام الطاقة. 

ثانياً: يعد تعزيز استدامة سلاسل التوريد العالمية أمراً بالغ الأهمية لتطوير قوى عاملة ماهرة قادرة على توفير الطاقة للجميع.
ثالثاً:التمويل أمر أساسي، ويتعين علينا حشد التمويل الحكومي والخاص لدعم هذا التوسع الطموح في حلول الطاقة المتجددة.
رابعاً: يشكل التعاون الدولي أهمية بالغة ويتعين علينا أن نعمل على تعزيز العمل الجماعي وتبادل المعرفة بشأن الحوكمة والتمويل المناخي والابتكار.
وأخيراً: يعد تطوير البنى التحتية أمراً ضرورياً، ونحن بحاجة إلى توسيع وتحديث البنية التحتية الحالية للكهرباء وبناء نظم مناسبة لمصادر الطاقة المتجددة.
لقد رأينا ما يمكن لدولة الإمارات أن تحققه من إنجازات بسرعات هائلة. ففي السنوات الثماني الأخيرة منذ عام 2015، عندما كان إجمالي قدرة الطاقة المتجددة في دولة الإمارات لا يتعدى 100 ميجاواط، أصبحت دولة الإمارات اليوم رائدة إقليمياً في إنتاج الطاقة المتجددة وموطناً لثلاث من أكبر محطات الطاقة الشمسية في العالم وأقلها تكلفة لإنتاجها.
واليوم، يبلغ إجمالي القدرة المركبة للطاقة المتجددة في دولة الإمارات أكثر من 4 جيجاواط، وتمضي الدولة بثقة لمضاعفة هذه القدرة ثلاث مرات لتصل إلى 14 جيجاواط بحلول عام 2030. وباعتبارها أول دولة في المنطقة تلتزم بتحقيق الحياد المناخي بحلول عام 2050، نتوقع أن يتوسع الاقتصاد الأخضر في دولة الإمارات بشكل أكبر. وهذا دليل على ما يمكن إنجازه عندما يتوفر التخطيط والبنية التحتية والاستثمار والإرادة لتطوير نماذج اقتصادية مستدامة.
إن رحلتنا نحو مستقبل الحياد المناخي والمرونة المناخية تتضمن مضاعفة قدرة الطاقة المتجددة ثلاث مرات بحلول عام 2030، فيما نقترب أكثر من أي وقت من تجاوز الحد الحرج البالغ 1.5 درجة مئوية لارتفاع حرارة الكوكب المنصوص عليه في اتفاق باريس. ومع اقتراب موعد انعقاد مؤتمر الأطراف (كوب 28)، في هذا التوقيت الحساس، على المجتمع الدولي أن يتحد لتحويل الطموح إلى عمل مثمر من أجل تحول عادل وشامل في مجال الطاقة عالمياً.

د. نوال الحوسني

المندوب الدائم لدولة الإمارات لدى الوكالة الدولية للطاقة المتجددة «آيرينا»

غوري سينغ

نائبة المدير العام للوكالة الدولية للطاقة المتجددة «آيرينا»