مر زمن على الثقافة العربية كانت صفة الشرق والشرقيين تحيل لمنطقة الوطن العربي، ومن أبرز الأمثلة على ذلك بيت أحمد شوقي مخاطباً السوريين وناصحاً لهم بالنضال ضد المستعمر الفرنسي فيقول:
(نصحت ونحن مختلفون داراً .. ولكن كلنا في الهم شرق)
وهو في البيت يصف الرابط السببي بين مصر وسوريا بأنهما معاً شرقيتان، ويتكرر ذلك لدى حافظ إبراهيم إذ يخاطب أحمد شوقي يوم تتويجه أميراً للشعراء بقوله: 

(أمير القوافي قد أتيت مبايعاً .. وهذي وفود الشرق قد بايعت معي) 

والشاعران معاً يستخدمان صفة (الشرق) لوصف أجزاء الوطن الذي نسميه الآن بالوطن العربي، ولم يقل شوقي مثلاً كلنا في الهم عُرْب وقد يذهب الظن إلى أن السبب شرط الوزن في البيت إذ إن كلمة شرق تفرضها القافية، غير أن بيت حافظ يخلو من أي ضرورة شعرية تفرض كلمة شرق، وكان له أن يقول وهذي وفود (العُرْب) قد بايعت معي، لولا أنه جنح للكلمة الأقرب لحال الدلالات الثقافية في ذاك الزمن.
على أن استقرار كلمة الشرق وصفاً لبلداننا جاءت حسب ثلاثية ثقافية غربية استعمارية فالمستعمر الغربي اتخذ صفات لما هو غير أوروبي تتسق مع الحالة الجغرافية في قرب أو بعد المنطقة عن أوروبا، فجاءت مصطلحات الشرق الأدنى، أي الأقرب لأوروبا، ويقابلها الشرق الأقصى أي الأبعد عن أوروبا، وما بينهما سيكون الشرق الأوسط، وهي منطقتنا التي وصفت بالأوسط حسب مسافتها من أوروبا، وهي كلها مصطلحات جغرافية تحدد حال المكان والبلدان تبعاً لقربها أو بعدها عن أوروبا، وفي البداية فإن وقوع المناطق العربية تحت سلطة المستعمر التركي الذي حجب صفة العروبة عن بلدان العرب وصيرها توابع للسلطان العثماني، وتقبل العرب السالفون القيادة العثمانية بوصفها خلافةً إسلامية ولكن هذه الخلافة جنحت أخيرًا لإلغاء المعنى العربي عن الإنسان والأرض معاً بمثل ما استعمرت المكان، ومع ظهور حركة «تركيا الفتاة» في أواخر العهد العثماني تم منع تعليم اللغة العربية في المدارس وفرضت اللغة التركية في بلدان العرب من أجل تتريك الأرض واللغة والإنسان.
وهنا ثارت الحمية العربية وتحركت وهذا ما سبب مواجهة العرب للأتراك حتى حرروا بلادهم واستقلوا عن المستعمر التركي ثم جاء المستعمر الأوروبي ليواجهوه كما واجهوا الترك، ولكن ظل مصطلح الشرق كما رأيناه عند شوقي وحافظ، غير أن ظهور التيار القومي العروبي هو الذي عزز السمات العربية للمكان وجاء مصطلح (الوطن العربي) ليكون صفةً شاملةً لبلاد العرب من الخليج إلى المحيط، وتقبل الجميع فكرة قيام (جامعة الدول العربية) لتكون صفةً ثابتة تعزز هوية العروبة بوصفها معنى جغرافياً ومعنى ثقافياً وسياسياً، والعنصر الموحد للكل هو (اللغة العربية) ولو عاش شوقي وحافظ في زماننا لما وردت كلمة (شرق) في بيتيهما.
*كاتب ومفكر سعودي- أستاذ النقد والنظرية/ جامعة الملك سعود- الرياض