في إطار جهودها المتواصلة لمكافحة التأثيرات السلبية لظاهرة التغيرات المناخية، تواصل دولة الإمارات إطلاق المبادرات المتتالية الرامية إلى تحقيق هدف خفض الانبعاثات الكربونية، وتعزيز الحياد المناخي، ونشر الوعي بأهمية المشاركة في مثل هذه المبادرات، وفي هذا السياق، فقد أعلنت الإمارات عن تدشين «خريطة طريق لخفض الكربون في القطاع الصناعي» تستهدف كل مجالات التصنيع، مع التركيز على الصناعات التي تشهد تحديات في تقليل الانبعاثات فيها، مثل الحديد والصلب والألومنيوم والإسمنت.

وتأتي هذه الخارطة التي أعدتها وزارة الصناعة والتكنولوجيا المتقدمة، بتنسيق وتعاون مع القطاعين الحكومي والخاص، لتنسجم مع الجهود الوطنية لتحقيق مستهدفات مبادرة الإمارات الاستراتيجية للوصول للحياد المناخي بحلول عام 2050، والالتزام ببنود التحديث الثالث لتقرير المساهمات المحددة وطنيًا لدولة الإمارات بموجب اتفاق باريس للمناخ والاتفاقية الإطارية للأمم المتحدة بشأن المناخ، والمساهمة في تحقيق تنمية اقتصادية مستدامة. والواقع أن «خريطة الطريق لخفض الكربون في القطاع الصناعي» تضاف إلى عدد من المبادرات المناخية والبيئية المشابهة، التي تؤكد الجهود الكبيرة التي تبذلها الإمارات في هذا الصدد.

وقد كان من أحدث هذه المبادرات «ميثاق الانتقال إلى الحياد المناخي» الذي أطلقته رئاسة مؤتمر الأطراف «كوب 28» بهدف تشجيع شركات القطاع الخاص على اتخاذ إجراءات فعالة لمواجهة تداعيات تغير المناخ، فضلًا عن مبادرات أخرى مثل «ميثاق حكومات الحياد المناخي 2050»، ومبادرة «تحالف القرم من أجل المناخ - زراعة 700 ألف شجرة قرم»، و«مبادرة غرس 300 شجرة غاف في مجمع توازن الصناعي»، وغيرها من المبادرات والمشاريع البناءة الرامية إلى تحقيق المستهدفات المناخية ومستهدفات مؤتمر الأطراف «كوب 28».

وتستمد هذه الخطوة أهميتها البالغة، كما أكدت معالي سارة بنت يوسف الأميري، وزيرة دولة للتعليم العام والتكنولوجيا المتقدمة، من أن آلية العمل التي حددتها الخارطة تتمحور حول تطوير وتبني التكنولوجيا المتقدمة والحلول الابتكارية، لضمان تحقيق خفض فاعل في الكربون على مستوى قطاع الصناعة الوطنية بالكامل بشكل مرحلي وصولاً لنسبة خفض 93% بحلول عام 2050. وتحوي «خريطة طريق لخفض الكربون في القطاع الصناعي» عددًا من مسارات العمل المتكاملة التي تكفل نجاحها في تحقيق الأهداف المتوخاة، وأبرزها رصد التحديات ومعالجتها، وتطوير وتبني أحدث الحلول التكنولوجية والابتكارية الداعمة للحد من الانبعاثات بشكل عام والكربون على وجه الخصوص، دون إغفالٍ لمسألة تعزيز تنافسية القطاع الصناعي الوطني ونموه وتطوره.

وما يلفت النظر في تنفيذ «خريطة طريق لخفض الكربون في القطاع الصناعي» أنها تعتمد فكرة المراحل الزمنية المتعاقبة، حتى تكون كل مرحلة مبنية على ما يتم تحقيقه في المرحلة السابقة، على النحو الذي يضمن انتقال الخارطة من نجاح إلى نجاح. وقد جرى وضع ثلاث مراحل زمنية متوقعة لسير الخارطة، تشمل تحقيق خفض في الانبعاثات بنسبة 5% بحلول 2030، ثم توظيف مزيد من التكنولوجيا المتقدمة لتصل النسبة إلى 63% بحلول 2040، يتوقع حينها أن تتكون وفرة في التقنيات والأدوات وبتكلفة منخفضة تعزز خطط خفض الانبعاثات في القطاع الصناعي لتصل نسبة الخفض إلى 93% بحلول عام 2050.

وما يلفت النظر كذلك في «خريطة طريق لخفض الكربون في القطاع الصناعي» اعتمادها على مجموعة من الحلول المتكاملة، إذ تضمنت الكهرباء النظيفة واحتجاز وتخزين الكربون ورفع كفاءة التصنيع، ومن المتوقع أن يسهم توظيفها وحدها في تسجيل نسب خفض للكربون تصل إلى 70% بحلول 2050، فيما يتم العمل على تحقيق النسبة المتبقية من الخفض عبر توظيف حلول وتقنيات أخرى.

إن إطلاق دولة الإمارات «خريطة طريق لخفض الكربون في القطاع الصناعي» مؤشر على الالتزام الكبير من قبل الدولة بمستهدفات العمل المناخي وخفض الانبعاثات في جميع المجالات، وهذه الخطوة تؤكد التقدم الكبير في الجهود المبذولة من قبل الجهات المعنية في الدولة لتعزيز الاستدامة وتكريس السياسات الخضراء، وذلك على النحو الذي يعزز النموذج التنموي لدولة الإمارات، ويكفل تحقيق الطموحات الكبيرة التي نسعى لتحقيقها في نصف القرن المقبل.

*صادرة عن مركز الإمارات للدراسات والبحوث الاستراتيجية.