وأنا أكتب عن نواف الأحمد الجابر الصباح «أمير المصالحات» و«أمير العفو» كما كان يُعرف، أتذكر المواقف التي كانت له فيها وقفة شجاعة، والأخلاق التي تحلى بها، فرفعت من قدره كثيراً عند الناس. كان الشيخ نواف أحد أبرز الرجال الذين عاصروا بناء دولة الكويت الحديثة منذ استقلالها عام 1962، فأسهم في تحقيق نهضتها، وهو الذي تنقّل على مدى 6 عقود بين مناصب وزارية عديدة من بينها وزارة الداخلية، وزارة الدفاع، ووزارة الشؤون الاجتماعية والعمل.
كان الشيخ نواف معروفاً بعدله في اتخاذ القرارات، وبعطائه، وبالإنجازات التي تحققت خلال فترات خدمته كوزير، ومن ثم توليه إمارة الكويت فيما بعد، مع العلم أنها فترة قصيرة كانت قد بدأت في شهر سبتمبر 2020، وانتهت قبل أيام، لكنه – ومع ذلك - نجح في إدارة البلاد، وترك إرثاً طيباً يشهد له الجميع به، خصوصاً وأنه دشن عهده بالمصالحة التي كانت بمثابة صفحة جديدة في تاريخ الكويت. وللمصالحة، أصدر الراحل عفواً خاصاً عن المعارضين طوى به صفحة الخلافات. ثم إنه ببصيرته حقق التعاون بين السلطتين التشريعية والتنفيذية بعيداً عن الصدام الذي عانت منه الكويت لسنوات وأثرت سلباً على استمرارية مشروعات التنمية والنهضة في الكويت.
نال الراحل نواف الأحمد الجابر الصباح محبة وثقة شعبه، لأنه كان قد أدى رسالته على أكمل وجه كما يشهد الكويتيون، وهم الذين وجدوا فيه الحكمة والصبر والرؤية البعيدة. ولا يختلف اثنان في منطقة الخليج على ما قدمه للكويت خصوصاً، ولمنطقة الخليج والمنطقة العربية والدول الإسلامية بشكل عام.

كلنا يعرف كيف أسهم الأمير في نزع فتيل كثير من الأزمات التي شهدتها منطقتنا، ولعل أهم ما عمل عليه على الإطلاق في هذا الباب هو ملفّ المصالحة الخليجية- الخليجية، فاجتهد من أجل رأب الصدع وتوطيد أواصر الأخوة بين الأشقاء لإيمانه الراسخ بوحدة مسار ومصير دولهم، مع تمسكه بمبدأ احترام سيادة الدول وعدم التدخل في شؤونها الداخلية. وقد تُوّجت جهوده آنذاك بطي صفحة الخلاف، وكان ذلك في قمّة العلا السعودية في شهر يناير 2021.

من جهة ثانية، كان الراحل حكيماً، حيث دفع ببلاده نحو تحقيق المزيد من النهضة، التي عززت مكانتها السياسية وحضورها ضمن محيطها العربي والإقليمي والدولي. كذلك برز دوره في تعزيز العمل العربي المشترك وفي حرصه على الأمن والسلم الدوليين، وخصوصاً فيما يتعلق بموقف الكويت تجاه قضية فلسطين والقدس. فموقف الكويت ما كان ليكون لولا توجيهاته المباشرة، وهو الذي أمر بتسيير جسر جوي لدعم غزة بما تحتاج من مواد غذائية وأدوية لمواجهة ما تعيشه اليوم، ليختتم بهذا الموقف مسيرة حياة طويلة وحافلة عاصر خلالها قضايا كبيرة في تاريخ بلده والأمة العربية لإيمانه بأنّ قوّة الكويت تكمن في وحدة أبنائها مع بعضهم البعض، وفي وحدتهم مع أبناء الشعب العربي المرهون تقدّمهم بتآزرهم وتلاحمهم.
رحل «الأمير الزاهد» «أمير التواضع» الذي كان قد اقترب من الناس خلال فترة تحمله مسؤوليات جسيمة في الحكومة ثم في قيادة الكويت، فحرص على تلبية احتياجاتهم ومساندتهم، وكان نموذجاً في تجسيد القيم الأصيلة.
لا شك أننا نشعر بحزن الأشقاء على فقيدهم معترفين بأننا برحيله فقدنا رجلاً وفياً. لكننا وفي الوقت ذاته نتطلع لخلفه صاحب السمو الأمير الشيخ مشعل الأحمد الصباح، ونحن على يقين بأنه سيكمل مسيرة من سبقه من حكام الكويت،  مسيرة نحمل لها كل المحبة  للكويت التي لن ينسى العرب مواقفها، ورحابة صدرها، وحرصها على شد أزر الأشقاء والأصدقاء في المحن.