تأكيداً لدور الطاقة النووية في النمو الاقتصادي ومواجهة تغير المناخ، تسعى دولة الإمارات إلى تكنولوجيات الطاقة النووية السلمية كسبيلٍ تُعوِّل عليه، خدمةً للمبادرة الاستراتيجية للحياد المناخي 2050، واستراتيجية الإمارات للطاقة 2050، وبما يُعزز مسيرتها نحو مستقبلٍ أكثر استدامة من خلال المصادر النظيفة والآمنة من الطاقة.
وتمثلَّت إحدى هذه المساعي بمبادرة «الطاقة النووية من أجل الحياد المناخي»، والتي كانت مؤسسة الإمارات للطاقة النووية، وبدعم من الوكالة الدولية للطاقة الذرية، رائدةً في إطلاقها ضمن «المؤتمر النووي العالمي» الذي عُقد في لندن سبتمبر 2023، لتشكيل تعاون دولي يعزِّز دور التكنولوجيات النووية في تحقيق أمن الطاقة على مستوى العالم. وحققت المبادرة بالفعل أحد أهدافها، في مؤتمر «كوب 28»، حين تعهدت 22 دولة وعلى رأسها الإمارات بمضاعفة القدرة الإنتاجية للطاقة النووية حول العالم ثلاث مرات، وبما يسهم في تحقيق الحياد المناخي بحلول 2050.
وترجمةً للتعهد إلى نتائج عملية، نجحت المؤسسة، وعلى هامش مؤتمر COP28، في توقيع مذكرات تفاهم مع جهات عالمية من الولايات المتحدة، والمملكة المتحدة، وكندا، والصين، ما يبرز تميُّز دولة الإمارات في علاقاتها مع الدول المتقدمة، ومكانتها على الساحة الدولية، وبما يُشكِّل نموذجاً يُحتذى به في التعاون الدولي.
من بين المذكرات مع الشركات الأميركية، ما جاء مع عملاقي الطاقة وستنغهاوس، وجنرال إلكتريك هيتاشي، إضافة إلى شركتي تيراباور، وإكس إنيرجي ذات الحلول المتقدمة في المفاعلات الصغيرة والجيل الرابع من المفاعلات النووية. وستتعاون المؤسسة كذلك مع مختبر أيداهو الوطني التابع لوزارة الطاقة الأميركية في إطلاق خريطة طريق للعمل على مشروعات طموحة، من بينها خفض البصمة الكربونية لأنشطة المؤسسة، وتطوير أنظمة إنتاج الهيدروجين الأخضر والأمونيا الخالية من الانبعاثات الكربونية في محطات براكة للطاقة النووية.
كشريك استراتيجي مهم لدولة الإمارات، ستسعى المؤسسة مع وزارة أمن الطاقة والحياد المناخي البريطانية إلى تسريع وتيرة نشر التكنولوجيات النووية المتقدمة ورفع القدرات الإنتاجية للطاقة النووية عالميّاً. ورافق هذا مذكرة تفاهم مع شركة مولتكس فلكس البريطانية لدراسة جدوى نشر مفاعلها الصغير في دولة الإمارات، وتقييم استخداماته ضمن تطبيقات صناعية، بما فيها تحلية المياه وإنتاج الهيدروجين.
وتأكيداً للمساعي في مدِّ أواصر التعاون مع مختلف الدول، وقعت المؤسسة مذكرتي تفاهم مع المؤسسة الوطنية الصينية للطاقة النووية، تهدف الأولى إلى عمل الإمارات والصين سويَّة في دعم الدول الساعية إلى الطاقة النووية السلمية، وتتضمن الثانية استكشاف فرص التعاون في تكنولوجيا المفاعلات المبردة بالغاز، كجيل رابع من المفاعلات النووية، علماً بأن الصين نجحت أخيراً، ولأول مرة عالمياً، في التشغيل التجاري لهذه المفاعلات.
ولم تتوقف جهود المؤسسة عند هذا الحد، بل أضافت إلى رصيد نجاحها التوقيع مع شركتين كنديتين رائدتين في مجال المفاعلات النووية المتقدمة، وهما تيرستريال إنيرجي، وألتراسيف، وذلك لدراسة تطوير تكنولوجيات مفاعلاتها خدمةً لجهود دولة الإمارات في خفض البصمة الكربونية.
إن مذكرات التفاهم هذه، والتي أتت تحت مظلة «البرنامج المتقدم لتكنولوجيات الطاقة النووية» الذي أطلقته المؤسسة أخيراً، تؤكد على الجهود المتميزة التي ترعاها القيادة الرشيدة، حفظها الله، في التوجُّه نحو التكنولوجيات المتقدمة في الطاقة النووية السلمية، وبما يفتح آفاقاً عالميةً لدولة الإمارات في ريادة مشروعاتها وحلولها المبتكرة.

*صادرة عن مركز الإمارات للدراسات والبحوث الاستراتيجية