سياسات الدول هي برسم التغير دائماً، تبعاً لغاياتها ومصالحها، وقد شهدت منطقة الشرق الأوسط تغيرات سياسية كبرى في سياسات الدول وتوجهاتها على مدى العقود الماضية، وهذا التغير هو جزء من الحيوية التي تسمح للدول بالتراجعات والإصلاحات والتطورات.
وتغير سياسات الدول له نماذج دوليةٌ شهيرةٌ، فألمانيا تخلت عن النازية بعد هزيمتها الكبرى في الحرب العالمية الثانية، وروسيا تخلت عن الشيوعية بعد السقوط المدوّي للاتحاد السوفيتي، والصين تخلت عن الشيوعية والاشتراكية لتصبح ثاني أقوى اقتصاد في العالم، ومن هنا فبعض دول المنطقة تشهد تغيرات في سياساتها واستراتيجياتها المعلنة، وهذا شيء طبيعي بحسب منطق التاريخ.
كانت المحاور السياسية في المنطقة ثلاثة، المحور الطائفي، والمحور الأصولي، ومحور الاعتدال العربي، وبعد صراعاتٍ سياسيةٍ واسعةٍ استمرت لسنواتٍ ليست بالقصيرة نجح المحور الأصولي بدعم أميركي وغربي كامل في إسقاط الأنظمة السياسية في عدد من الجمهوريات العربية وتسليمها للحركات الأصولية من «جماعة الإخوان» وحلفائها، والتبشير باستعادة «الخلافة» وإسقاط المزيد من الدول العربية، إبان ما كان يعرف بـ «الربيع العربي» المشؤوم.
للحقيقة وللتاريخ فقط، كان ردّ الدول العربية قوياً على سياسات المحور الأصولي وداعميه من الدول الغربية، وعادت مصر لنفسها وللعرب، وبدأ المحور الأصولي في مراجعة مواقفه وسياساته تجاه الدول العربية وتجاه حلفائه من جماعات الإسلام السياسي وتياراته ورموزه، وبدأت تركيا في فتح صفحةٍ جديدةٍ مع الدول العربية.
تفاوضت تركيا مع مصر لتسليم أو ترحيل بعض رموز «جماعة الإخوان» الذين كانوا يتخذون منها منطلقاً لمعارضة مصر دولةً وشعباً، وأبلغت بعض مؤسسات الجماعة ورموزها بضرورة مغادرة الأراضي التركية، وبالفعل انتقل بعضهم إلى بريطانيا، ليس المصريون فحسب، بل وبعض الرموز الإخوانية من دول عربية أخرى.
بريطانيا تاريخياً هي أم «الإسلام السياسي» وراعيته ومموّلته وداعمته، منذ «حسن البنا» مؤسس «جماعة الإخوان» وإلى اليوم، وهي أكبر ملجأ لرموز الإسلام السياسي في العالم، وهي ترفض تسليم أيٍ من هؤلاء الرموز لأن استثمارها في هذه الجماعات تاريخي وطويل ومستمرٌ، وهي لا ترفض استقبال أي منهم حين ترفضه دولٌ أخرى، وهذه قصة طويلة، وقد باتت تشاركها فيها أميركا منذ سنواتٍ ليست بالقصيرة.
دولة الكويت تعيش لحظة تاريخية بتسلم الأمير مشعل الأحمد سدة الحكم في البلاد، وبخطابه الذي ألقاه في مجلس الأمة ووضع يده على أدواء خطيرة عاشتها الكويت وحذر منها العديد من الكويتيين المخلصين، وقد تباشر الكويتيون بحكمة وحزم الأمير مشعل ورغبته الواضحة في وضع الكويت على قطار الإصلاح والتنمية والمستقبل وحرصه على إصلاحات فاعلةٍ في الدولة والسلطتين التشريعية والتنفيذية.
حاكم المطيري مواطن كويتي حكمت عليه محكمة كويتية بالسجن بتهمٍ خطيرةٍ تتعلق بخيانة الوطن والتخابر مع دولة خارجية، بناءً على التسريبات التي انتشرت في لقائه بمعمر القذافي، والتي تعهد للقذافي فيها بالعمل ضد دولة الكويت وضد عدد من دول الخليج العربي مثل السعودية والبحرين، وقد هرب حينها إلى تركيا ضمن التوجهات السياسية للمحاور المختلفة في المنطقة في ذلك الوقت.
الخبر المهم اليوم أن تركيا استجابت لدولة الكويت وألقت القبض على حاكم المطيري وأعلنت أنها بصدد تسليمه لدولته، وسواء تمّ ذلك وعاد ليحاكم في بلاده أم لا، فإن ذلك مؤشرٌ على رغبة تركية حقيقية في بناء علاقاتٍ طبيعية مع دول الخليج والدول العربية.
أخيراً، فإن عاد حاكم المطيري لبلاده فسيحظى بمحاكمةٍ عادلة بالتأكيد.
*كاتب سعودي