على مشارف عام جديد، يتبادل البشر التهاني والتبريكات، ويتمنون على الله أن يكون العام الجديد ملؤه السلام، وما أعظمها من أمنية!، فليس فوق السلام قيمة على الأرض.
غير أن واقع الحال يقودنا إلى القطع بأن 2024، هو وريث الملفات الساخنة والملتهبة، وخليفة الساحات المشتعلة في 2023، ولهذا -رغم التمنيات القلبية الطيبة- تبقى مساحات الشك واسعة لجهة السلام، من دون تشاؤم أو تطير.
وبالنظر حول العالم، يجد المرء بقاعاً مشتعلة، وأصقاعاً متصادمة، ربما في مقدمتها الصراع الروسي الأوكراني، والذي يخيل للناظر أن القائمين عليه كانوا في انتظار الساعات الأولى من العام الجديد ليتبادلوا إطلاق الصواريخ بعيدة المدى، كي تصيب قلب المدن في الدولتين، عوضاً عن تبادل التهاني، وإعلانه عاماً سلمياً جديداً، يبشِّر بالحرية لمن رهنوا أنفسهم لأغلال الكراهية، وبإطلاقهم من أصفاد التاريخ المأزوم.
هل يمكن لهذا الصراع أن يستمر على مدى 2024؟ غالب الظن أن ذلك كذلك، وبخاصة في ضوء التراجع الأميركي عن دعم الرئيس الأوكراني زيلنسكي بقوة، كما جرت مقادير العامين الماضيين، وهو ما تجلى في مخاوف الأوروبيين التي عبّر عنها الممثل السامي للاتحاد الأوروبي للشؤون الخارجية والسياسية والأمنية، جوزيب بوريل، بقوله: «هزيمة أوكرانيا ستزلزل أوروبا». ومن هنا أنطلق زيلنسكي نفسُه موجِّهاً حديثه للأوروبيين:«إذا هُزمت أوكرانيا سيتناولكم بوتين على وجبة العشاء».
لا يمكن توقع سلام قريب بين روسيا وأوكرانيا ما لم تحدث معجزة خارقة للنواميس الطبيعية والبشرية، تغير الأوضاعَ وتفتح مساقات للوفاق عوضاً عن الفراق ما بين الروس والأوكران.
من الملفات المؤلمة إلى حد الوجع في العام الجديد، ملف الأزمة في غزة، تلك المواجهات العبثية التي اعترضت مسارات السلام في الشرق الأوسط، بعد أن لاح طيفها، وخُيل للجميع بأن عهداً جديداً من التعايش يمكن أن تشهده هذه المنطقة من العالم، والتي بات فيها الموت عادة يومية. فقد الشرق الأوسط طمأنينته منذ أكتوبر الماضي، وغالب الظن أن الأمر سيطول، وربما يمتد بدوره كما الحال مع الملف الأوكراني. على أن هناك فارقاً مخيفاً بين الملفين، الأوكراني والغزاوي، وهو أن الأول ملف سياسي أيديولوجي نسبياً، يمكن الاتفاق حوله أو الافتراق أمام تقاطعاته، وفي الحالين يمكن التوصل إلى حلول وسط تنهي الأزمة. أما الملف الفلسطيني فهو ملف دوجمائي يتقاطع مع مقدسات ومطلقات، فليس سراً أن صراع غزة أعاد أفكاراً ظن العالم أنه وأدها من قبيل الصراعات ذات الأبعاد الحضارية والثقافية، وفوقهما المواجهات العقائدية، حيث ينقسم البشر عادة إلى فسطاطين، فسطاط خير، وفسطاط شر، أي بين الذين معنا والذين علينا.
وهل سيكون 2024 عام سلام مجتمعياً في الداخل الأميركي؟ يخبرنا قطب المحافظين الجدد الأكبر، روبرت كاغان، في قراءة أخيرة له، بأن أميركا تكاد تكون على شفا حفرة من نار المواجهات الأهلية الموقوتة بموعد انتخابات الرئاسة القادمة في نوفمبر من العام الحالي.
يكفي النظر إلى حزازات الصدور التي خلفتها أنتخابات 2020 والتي ما تزال قائمةً حتى الساعة، وفي ظل مرشحين رئيسيين أحدهما يسكن البيت الأبيض، وتمنحه استطلاعات الرأي شعبية متناقصة، وآخر مهدد بالسجن في عدد من القضايا.. وبينهما يبدو الشعب غاضباً ومتحفزاً للصراع بصورة أو بأخرى.
قبل أن ينصرم 2023 شهد لقاءً بين الرئيسين الأميركي والصيني في ولاية كاليفورنيا، وتمنى الجميع أن يكون لقاءً إيجابياً ينهي أحتمالات الصدام، غير أن خطابات الطرفين لا تعزز ذلك التمني.
يقول غرامشي إنه في مواجهة تشاؤم العقل يبقى تفاؤل الإرادة.. وفي كل الأحوال «تفاءلوا بالخير تجدوه». 

*كاتب مصري