عام 2023 مضى إلى حال سبيله، وكان عاماً مليئاً بالأحزان والمآسي على مستوى الوطن العربي. لقد مضى عام لم نر فيه كمواطنين عرب الشيء الكثير الذي يجعلنا نتذكره بالخير، فهو عام للنسيان. لقد أقبل علينا عام جديد، هو 2024 نتطلع فيه إلى أن يتحقق الكثير للمواطن العربي على مستوى التنمية بمعانيها الشاملة المستدامة، تنمية حقيقية تجعل البشر مهتمين بمعرفة تجاربها، وشغوفين لمعرفة نتائجها بأن تحقيق أجزاء من التنمية للمواطن العربي أمر مفرح لو أنجز، فإنجازات الأمم واحتواء مواطنيها هي أمور في صلب النشاط التنموي.

عام جديد يقبل علينا والمواطن العربي يئن في أماكن كثيرة تحت وطأة التخلف والفقر والجهل والأمراض، ومؤخراً نير الحروب الطاحنة في عدد من دوله، لذلك، فهو يحتاج إلى ما ينتشله من كل ذلك في العام الجديد، ويحقق له انتقالاً من حال مؤسف إلى حال أكثر إشراقاً.

إن سياسات الانتقال أو التحول صعبة وإشكالية ومعقدة، خاصة في ظل شح الموارد في العديد من الدول العربية، المسألة في الحقيقة لا تزال موضوع نقاش نظري - تجريدي بغض النظر عمّا إذا كانت الأمة متخلفة، لا تستطيع تحقيق حركة سريعة باتجاه الحداثة على الصعيد الاقتصادي التنموي.

وبغض النظر عن الطروحات القوية التي يمكن تقديمها لدعم وجهة النظر القائلة بوجود تناقضات جوهرية بين عناصر التنمية، خاصة ما بين الاقتصادي - الاجتماعي والسياسي. بهذا الصدد يلاحظ بأن تسريع التنمية الاقتصادية - الاجتماعية عادة ما يصطدم منذ البداية المبكرة بالشأن السياسي. وربما أن السبب يعود إلى أن التنمية الاقتصادية - الاجتماعية تتطلب تركيزاً للسلطة في يد الدولة لكي تتمكن من اتخاذ القرارات السريعة المناسبة دون وجود عراقيل سياسية تدخل فيها المصالح الشخصية والفئوية للمعارضين اتخاذ القرار.

عملية التنمية التي نتمناها للوطن العربي في العام 2024 ذات شقين: أحدهما يتم فيه إبراز التعبئة والتنسيق بين مؤسسات الدولة كافة، وأفراد المجتمع في جو من الرغبة في التعاون؛ والشق الثاني، يبدي فيه أفراد المجتمع قدراً من الصبر والمرونة. إن جميع ما سبق يفضي إلى القول بأن التنمية لا بد وأن تصبح منهاجاً وطنياً شاملاً واستراتيجية عظمى في جميع الدول من جانب، وعلى مستوى الوطن العربي من جانب آخر.

في مثل هذه الأجواء تتفاعل المجتمعات بجميع قطاعاتها ومؤسساتها وتفرعاتها وأفرادها، بما في ذلك الدولة ذاتها، بحيث يصبح توجه الجميع نحو التنمية نابع من اقتناع بالمنهج التنموي السليم وباستراتيجياته. هذا القول ينطبق على مستوى الشأن الداخلي في كل دولة عربية، وعلى مستوى علاقات الدول العربية ببعضها بعضاً. الكثير من المواطنين العرب، ربما ينظرون إلى هذا الطرح بأنه قول من ضروب الخيال، لكن كمواطن عربي هذا جزء من تمنياتي الطيبة للوطن العربي، والمواطنين العرب في عام 2024، وهي تمنيات أرجو بأن تتحقق في القريب العاجل.

إن المسألة تتعلق في جذورها بفكر وبقناعات، وربما بأحلام بأن يصبح الوطن العربي والمواطنين العرب يوماً وفي كل مكان يداً واحدة، وأن يصبح بالإمكان تعبئة وتحريك الطاقات العربية كافة باتجاه التنمية. وهنا لا يمكن تحقق ذلك سوى عن طريق كون الشعور بالانتماء للوطن والدولة أقوى من أية انتماءات أخرى. إن الانتماء هو كلمة السر المفضية إلى التلاحم بين أفراد المجتمع وبينهم، وبين القيادة القائمة على الأمور.

والواقع هو أنه حين تكون القيادات مدركة لأدوارها ومستجيبة لتطلعات وطموحات المجتمع، وحين يكون المجتمع مهيئاً لممارسة أدواره تصبح المسارات متجهة إلى الوجهات الصحيحة. نبارك للمواطنين العرب في كل مكان بالعام الجديد، ونتمنى لبلادنا جميعها بأن يعمها الخير والرخاء والسلام.

*كاتب إماراتي