ملأ آلاف الجواتيماليين الساحة المركزية بالعاصمة «جواتيمالا سيتي» يوم الأحد لمشاهدة حفل تنصيب الرئيس المنتخب «برناردو أريفالو» على شاشات عملاقة وللاحتفال بإنجاز ديمقراطي.
وعادةً، لا تحظى حفلات تنصيب الرئيس التي تتم في عطلات نهاية الأسبوع بهذا القدر الكبير من الاهتمام، لكن الانتخابات الأخيرة وما أعقبها كان بها بعض الصعوبات والمخاطر الملحوظة، حيث احتشد الجواتيماليون للدفاع عن ديمقراطيتهم. كان من المقرر أن يبدأ حفل تنصيب السياسي المناهض للفساد في الساعة الثانية بعد ظهر يوم الأحد، لكن لم يُسمح للسيد أريفالو أخيراً بأداء اليمين إلا بعد منتصف الليل بقليل. لقد كانت نهاية متوترة، وربما مناسبة، لأشهر من الأزمة السياسية ومحاولات النخبة السياسية والاقتصادية في جواتيمالا للتمسك بالسلطة.
كانت جواتيمالا في حالة من التقلبات الديمقراطية منذ شهر أغسطس، مع مناورات قانونية متعددة من قبل مكتب المدعي العام والكونجرس لإبقاء السيد أريفالو وحزبه «سيميا» أو «حركة البذور» خارج السلطة. وفي يوم الأحد، حاول الحزب الحاكم وحلفاء الرئيس المنتهية ولايته «أليخاندرو جياماتي» بذل جهد أخير لمنع نقل السلطة، حيث قام الكونجرس المنتهية ولايته بتأجيل أداء اليمين للهيئة الجديدة من المشرّعين، المكلّفين قانوناً بتنصيب الرئيس الجديد للبلاد.
وعلى الرغم من التوتر والقلق الذي طغى على العديد من المواطنين والناشطين، فإن هذه الفترة من عدم اليقين كانت بمثابة فرصة أيضاً: إذ يشارك المزيد من الجواتيماليين في نظامهم السياسي وينخرطون في النضال من أجل الحفاظ على الديمقراطية.
يقول «جوستافو ماروكين»، أستاذ التاريخ في جامعة رافائيل لانديفار: «لقد رأى الناس أن محاولة الانقلاب كانت حقيقية وأن هناك خطراً حقيقياً يتمثل في انتزاع الديمقراطية منا». لقد شجعه ما يراه من اهتمام متزايد من الجواتيماليين بسياسة البلاد والمشاركة فيها وفهمها والتحدث عنها.
وخلال يوم التنصيب، انجذب أشخاص مثل إدواردو مانسيلا، وهو عالم نفس صناعي، نحو الساحة المركزية في العاصمة. كان يتناول الغداء في منزله مع أصدقائه ويتابع على شاشة التلفزيون ما توقعوا أن يكون حفل تنصيب بعد الظهر. وبدلاً من ذلك، كان نواب حزب «سيميا» يكافحون من أجل إقناع أعضاء الكونجرس بمنحهم الأصوات اللازمة لرئاسة لجنة قيادة المجلس، وكانت هذه هي المعركة الأولى من بين العديد من المعارك التي شهدها ذلك اليوم.
وبعد وقت، أدان أعضاء الكونجرس الجدد في حزب «سيميا» محاولة الأعضاء المنتهية ولايتهم تأخير أو منع التنصيب الرئاسي. ولأكثر من 10 ساعات، تمكن سيميا من تفادي المناورات السياسية التي صنفوها على أنها محاولات «انقلابية». وبحلول الساعة التاسعة مساءً، قرر مانسيلا أنه بحاجة للوصول إلى الساحة المركزية. يقول: «لم نكن نعرف ماذا سيحدث، كان هناك قدر كبير من القلق».
وأخيراً، بالقرب من منتصف الليل، أصبح الطريق ممهداً أمام أريفالو ونائبته «كارين هيريرا» لتولي السلطة. كانت طالبة القانون «جنيفر دي لا كروز» مفعمة بالحماس أيضاً. لم تكن من المتابعين للسياسة من قبل، لكن برنامج أريفالو لمكافحة الفساد حفزها على معرفة المزيد عن الوضع السياسي في جواتيمالا وتثقيف أقرانها.
«يمكننا أن نترك بصمة بمشاركتنا.. يجب أن تؤخذ أصواتنا بعين الاعتبار».. هكذا تقول لا كروز، ثم تضيف حول الشباب الجواتيمالي: «لدينا العديد من المطالب».
عندما دخل أريفالو السباق الرئاسي العام الماضي، لم يكن يعتبر المرشح الأوفر حظاً للفوز. ولم تكن حملته ممولة بشكل جيد، وركز برنامجه على مكافحة الفساد، وهو الملف الذي أُصيب العديد من الجواتيماليين بخيبة أمل فيه على مدى العقد الماضي.
لكن عندما حصل بشكل مفاجئ على المركز الثاني في الجولة الأولى من التصويت، أثارت دعواته للقضاء على الفساد إنذارات بين أهل النخبة في جواتيمالا، الذين اعتادوا منذ فترة طويلة على اللعب وفقاً لقواعدهم الخاصة. وواجه محاولات من الوزارة العامة والحزب الحاكم في الكونجرس لإلغاء النتائج بدعوى التزوير. ومن ثم فاز في جولة الإعادة.
وخرج آلاف الجواتيماليين لدعم فوزه، مما أدى إلى إغلاق الطرق الرئيسية في جميع أنحاء البلاد. وتجمهرت مجموعات السكان الأصليين أمام مكتب المدعي العام لمدة 106 أيام متتالية.
ويقول ماركو فونسيكا، أستاذ الدراسات الدولية في جامعة يورك في تورنتو، إن انتصار حركة سيميا «كان بمثابة زلزال سياسي للنخب المهيمنة»، ويصف رد الفعل على فوز أريفالو بأنه «غير ديمقراطي». ويقول الدكتور فونسيكا: «إنها معجزة سياسية أننا وصلنا إلى هذه النقطة مع وجود العديد من المحاولات لوقف انتقال السلطة. لقد اكتسب الناس، وخاصة الشباب، وعياً سياسياً غير مسبوق».
وكانت الصحوة السياسية مناسبة: فقد ولدت حركة سيميا من رحم الاحتجاج العام. في عام 2015، أُجبر الرئيس ونائبه على الاستقالة بعد سلسلة من الاحتجاجات السلمية الضخمة رداً على خطة حكومية. تم إرسال البعض إلى السجن، بينما تصدر المحتجون عناوين الأخبار العالمية لإسقاط الحكومة دون إراقة قطرة دم واحدة أو إطلاق رصاصة.
ظهرت حركة سيميا لأول مرة كمجموعة تعمل على تحليل السياسة وعدم المساواة، ثم أصبحت فيما بعد حزباً سياسياً. يقول الدكتور فونسيكا: «لقد أعادت هذه الانتخابات تنشيط وحدة الشعب والرغبة في إقامة ديمقراطية شفافة ظهرت لأول مرة منذ حوالي عقد من الزمن».
وفي خطاب تنصيبه، شكر الرئيس أريفالو أنصارَه على «قوتهم وتفانيهم في تغيير المشهد السياسي في جواتيمالا».


جودي جراسيا

صحفية لدى «كريستيان ساينس مونيتور»
ينشر بترتيب خاص مع خدمة «كريستيان ساينس مونيتور»