يذكر الأميركيون دوماً أنهم يريدون تصدير «الديمقراطية» إلى العالم.. ديمقراطية مرسومة على طريقتهم ومرصوفة بكل أنواع السلاح والمدفعية والطائرات!
في الطرف الآخر، تبنت إيران فكرة تصدير الثورة، وهي ثورة مرسومة على مزاج ولاية الفقيه ورعايتها، ومرصوفة بكل أنواع محاولات التسلل والتغلغل في الشؤون الداخلية للدول.
أوروبا، وهي تعتقد أنها وصلت ذروةَ التقدم البشري ترى أنها مكلفة بتصدير «القيم الإنسانية» المرسومة وفق ذائقة الإنسان الأوروبي وتجاربه التاريخية. وبطبيعة الحال فإن هذا الطريق الأوروبي مرصوف هو أيضاً بالترغيب والترهيب من خلال المساعدات التنموية أو العقوبات الاقتصادية.
وفي منتصف هذا العالم، بكل مخططاته «التصديرية»، كان هناك وما يزال إقليم الشرق الأوسط بوصفه محطة الاستيراد الرئيسية ولو باستخدام القوة.
لم يفكر أحد من هذه الأطراف في التنمية الحقيقية للشرق الأوسط، أي التنمية الذاتية غير الخاضعة لمبدأ الاستيراد والتصدير، وإنما يكفي أن تعرضها من منطلق التكامل الإنساني على هذا الكوكب لكي تنجح الفكرة.
الديمقراطية منهجية حكم تنبثق من المجتمع نفسه، وأول متطلباتها حضور مفهوم الدولة بكامل ألقها المؤسساتي، واستيرادها بدون اكتمال فكرة الدولة يشبه زراعة شتلة أمازونية في كثبان رملية، على أمل أن تتحول هذه الكثبان إلى غابات أمازون، والواقع أن الشتلة ستذبل وتموت دوماً.
المعتقدات الدينية لا يمكن تصديرها ثورياً، المعتقد حالة إنسانية خاصة ومتطلبها الأساس هو الإيمان واليقين، وتلك عملية ذاتية معقدة في الوجدان الإنساني. وتثوير المعتقدات عملية خطيرة، لأنها تتطلب إزاحة قصوى نحو اليمين والتطرف مما يشكل التعصب، فننتهي إلى تصدير الإرهاب بدلاً من الإيمان.
القيم الإنسانية، إنسانية ببساطة، وعليه فهي متنوعة ومتعددة ومتباينة بين الثقافات البشرية، ولا يمكن لأي مجتمع بشري أن يدعي احتكار القيمة الإنسانية، لكن كل المجتمعات مطالبة بأن تتثاقف وتتبادل تجاربها الإنسانية للوصول إلى ما يتفق عليه الجميع، والاتفاق أساسه واحد، هو ذلك الإنسان وكرامته الإنسانية.
القيم الإنسانية في الهند سبقت تاريخياً وبكثير تلك القيم التي ينادي بها حالياً الأوروبيون على سبيل المثال، والقيم التي يحملها تاريخ العرب قبل القرن السابع ميلادي متفوقة في زمانها على ثقافة القتل وسفك الدماء في جغرافيا الدول الإسكندنافية.
اليوم، نحن في أوج ثورة معرفية تكنولوجية قفزت بالبشرية إلى منطقة متقدمة غير مسبوقة، تجعل المعرفة في متناول الجميع، والمعرفة فيها الخير والشر، وهنا يأتي دور الحكومات في عملية التنظيم عبر التكامل فيما بينها، وبناء الجسور والتواصل بين الدول والأمم والمجتمعات.
إن الكوكب الذي نعيش عليه جميعاً يواجه الآن تحديات لا تقارن في حجمها وخطورتها بالتحديات والأجندات المذكورة أعلاه. ومن وجهة نظر الطبيعة فإن الديمقراطية والثورات والقيم الأوروبية.. كل ذلك لا معنى له أمام قضية مثل ثقب الأوزون والاحتباس الحراري الذي يصنعه البشر، ذلك أن الكارثة ستشمل الجميع ولا تستثني أحداً.
التكامل الإنساني لم يعد ترفاً في المطالب، بل ضرورة حيوية من أجل استمرار الحياة.

*كاتب أردني مقيم في بلجيكا