كانت الدعوات إلى «تأمين الحدود» دائماً مجرد ضرب من ضروب الاستعراض السياسي -- وشعارات لتأكيد الالتزام تجاه أمن الوطن. إذ على الرغم من ذلك، استمر المهاجرون في القدوم، مدفوعين بظروف معيشة صعبة، وبالأمل في الأمن والتقدم الاقتصادي في الولايات المتحدة.

والحال أن إدارة معضلة الهجرة تتطلب إجراء حوار مختلف، حوار يركز بشكل أقل على تشديد الحدود وبشكل أكبر على الآليات والحوافز التي تدفع الناس إليها، حوار يعبّر عن التنسيق اللازم مع البلدان الأخرى بشأن مسار الهجرة من أجل إدارة تدفق الأشخاص على نحو مشترك عبر القارة الأميركية، وحوار يأخذ في عين الاعتبار مساهمة المهاجرين في ازدهار البلاد.

للأسف، واشنطن غير قادرة على هذا النوع من الحوار. وإدارة بايدن تبدو مفتقرة للأفكار. وخلف حامل لواء يروّج لكراهية الأجانب في سباقٍ جد محتدم على إعادة الانتخاب، لا تعدو دعوات الجمهوريين إلى «تأمين الحدود» أن تكون مجرد حملة سياسوية.

ولنتأمل هنا المطالب التي قدمها رئيس مجلس النواب مايك جونسون (الجمهوري من ولاية لويزيانا) في رسالة إلى الرئيس بايدن الشهر الماضي. فجونسون يعترض على إطلاق سراح طالبي اللجوء من أجل الدفاع عن أنفسهم في محكمة الهجرة، ويرغب في طرد المزيد منهم بسرعة. ويريد مساعدة المكسيك لنا في إيواء المهاجرين والاحتفاظ بهم. كما يريد إنهاء برنامج الإفراج المشروط الذي تتيحه إدارة بايدن لتشجيع طالبي اللجوء على التقدم بطلباتهم عبر القنوات الرسمية بدلاً من عبور الحدود.

وبطبيعة الحال، يريد الجدار أيضاً. والحال أنه لا يوجد في التاريخ الأميركي الحديث ما يشير إلى أن قائمة الرغبات هذه يمكن أن تحقق هدف رئيس مجلس النواب المتمثل في منع أعداد كبيرة من المهاجرين من القدوم إلى الولايات المتحدة. ففي الثمانينيات مثلاً، كان المهاجرون في معظمهم لا يطلبون اللجوء، ولكن الملايين منهم ظلوا يتدفقون على الولايات المتحدة.

وكان معظمهم من المكسيك، ولكن أيضاً من أميركا الوسطى. وهرباً من ضيق ذات اليد وأملاً في الوظائف، كان هؤلاء المهاجرون يعبرون الحدود خلسة ويستقرون في الولايات المتحدة -- من دون تصريح قانوني.

ومنذ ذلك الحين، شُيدت الجدران والأسوار، ونُشرت أجهزة استشعار الحركة والطائرات المسيَّرة لكشف الأشخاص الذين يعبرون الحدود ومتابعتهم. وتضاعف عدد عناصر حرس الحدود خمس مرات منذ أوائل التسعينيات، من حوالي 4 آلاف إلى حوالي 20 ألفاً. ومع ذلك، ارتفع عدد المهاجرين الذين يعيشون في الولايات المتحدة من دون تصريح إلى أكثر من 11 مليوناً في 2018، مقارنة بـ 3.5 مليون في 1990. اليوم، يأتي المهاجرون من أماكن بعيدة جداً، بما في ذلك من أميركا الجنوبية وآسيا وأفريقيا.

وهناك أعداد متزايدة منهم: فقد التقى عناصر حرس الحدود بمهاجرين محتملين أكثر من مليوني مرة في السنة المالية 2023، وهو ما يتجاوز الذروة المسجلة في 1986 و2000. كما تم إحصاء حوالي 1.1 مليون آخرين في المنافذ الرسمية. ويأمل معظم هؤلاء المهاجرين في التقدم بطلبات اللجوء. غير أنهم مدفوعون بالأهداف نفسها التي كانت تحفز أولئك الذين سعوا للوصول إلى الولايات المتحدة قبل عقود، ألا وهي: بيئة آمنة توفّر فرصة للعيش والبقاء، وربما الازدهار أيضاً.

والواقع أن النظام السياسي الأميركي كان يعاني دائماً من مشكلة الهجرة. وقد كانت آخر محاولة كبيرة للإصلاح الشامل للهجرة، والتي أقرت في 1986 في عهد إدارة ريغان، مدروسة بعناية مقارنة بمعايير اليوم، فالأحكام المتعلقة بمنح السكان غير المصرح لهم وضعاً قانونياً، إلى جانب تأشيرات عمل مؤقتة جديدة، والتهديد بتوجيه اتهامات جنائية ضد المشغِّلين الذين يوظفون مهاجرين غير مرخص لهم مستقبلاً... كلها إجراءات كانت ترمي إلى معالجة كل المشاكل الرئيسية. ولكن ذلك لم ينجح للأسف. إذ اضطر المشغِّلون إلى مطالبة العمال بوثيقة تثبت وضعهم القانوني، ولكن ليس مهماً مدى قوة ذلك الدليل. فواصل المهاجرون الذين يدلون بأوراق مزورة القدوم إلى العمل. واستمر المشغِّلون في توظيفهم. وأُهملت تأشيرات العمل المؤقتة وتراكم الغبار عليها في خزانة ملفات في مكان ما في واشنطن العاصمة.

ونتيجة لذلك، فشلت فكرة صفقة كبرى. والحقيقة أن الهجرة تتطلب صفقة مختلفة اليوم. صفقة يجب أن تكون شاملة أيضاً، إذ يجب أن تعيد الانضباط إلى عملية اللجوء، وتشدد القواعد لضمان أن تظل خياراً ممكناً للأشخاص الفارين حقاً خوفاً على حياتهم، أو الملاحقين من قبل دولة تطاردهم أو جريمة منظمة. ولكنها يجب أيضاً أن تعترف بأن عدداً كبيراً من المهاجرين مدفوعون بضغوط أكبر -- مثل الجوع وتغير المناخ والرغبة في الحصول على فرص.

وتشديد الحدود لن يمنعهم من الدخول. وبالنظر إلى الأعداد الكبيرة من المهاجرين، فإن أي صفقة جديدة ربما ستتطلب مساعدة من قبل دول القارة الأميركية الأخرى على تحمل المسؤولية، بما في ذلك توفير موطن جديد لهم بدلاً من الاكتفاء بتوفير ممر إلى الشمال.

وفي الولايات المتحدة، ستتطلب شيئاً قد يبدو شبيها بالإصلاح القديم لعام 1986: خطة تعترف بإسهام المهاجرين في الرخاء الأميركي، وتتعامل مع الهجرة باعتبارها فرصة وليس تهديداً.

*كاتب وصحافي أميركي

ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست لايسنسينج آند سيندكيشن»