مع استمرار حالة التجاذب الكبرى داخل الحزبين «الديمقراطي» و«الجمهوري» حول قائمة المرشحين المتصارعين، وما يمكن أن يجري في الفترة المقبلة، خاصة مع التوقع باستمرار ترشح الرئيس جو بايدن، ودخول الرئيس الأميركي السابق ترامب المضمار التنافسي داخل الحزب «الجمهوري»، من دون مقدمات أو مناظرات حزبية متعارف عليها تبرز عدة تطورات مهمة بالنسبة لمسار ما يجري داخل الحزبين، أهمها انسحاب حاكم فلوريدا «رون ديسانتيس» من السباق الرئاسي الأميركي، وإعلان تأييده لترامب، ما يؤكد أن غالبية الناخبين «الجمهوريين» يريدون منح الرئيس السابق ترامب فرصة أخرى.

وإذا نجح ترامب بالفعل في تأمين الترشيح، ومواصلة الفوز في الانتخابات، فإنه سيكون أول رئيس أميركي في التاريخ الحديث يحكم، ثم يخسر الانتخابات، ثم يعود بعد ذلك إلى السلطة، حيث يركز الرئيس السابق على إعادة الاقتصاد إلى حالته الطبيعية وأسعار الوقود للانخفاض، كما يعتزم إلغاء قانون الحد من التضخم، ما يثير تساؤلات بالنسبة للشركات التي تحاول عقد صفقات على أساس هذا القانون، حيث ستستفيد شركات النفط، والوقود الأحفوري،والعقارات، والقطاعات المرتبطة بها من فترة حكم الرئيس السابق ترامب.

ومن المعروف أن الرئيس السابق دونالد ترامب يدعم مصادر الطاقة التقليدية على حساب الطاقة المتجددة والنظيفة، وأنه تبني مقاربة محددة في هذا الإطار، كما ترحب الشركات الأميركية الكبيرة باحتمالية قيام ترامب بتكرار خطط خفض الضرائب، والتي أقرها بعد فوزه في انتخابات 2016، حيث تعهد ترامب وقتها بخفض الضرائب على الشركات إلى 15% حال توليه موقع الرئيس مرة أخرى، بعد أن كان قد خفضها في عام 2017 من 35% إلى 21%.وقد أظهر استطلاع للرأي تقدماً الرئيس السابق ترامب بست نقاط مئوية بين الناخبين الذين تتراوح أعمارهم بين 18 و29 عاماً، وإن كان هناك توقعا بأنه ما زال أمام الرئيس ترامب الكثير من الخطوات للقيام به، إذا أراد أن يصبح مرشح الحزب «الجمهوري».

وقد أعلن نحو نصف أعضاء الحزب «الجمهوري» في مجلس الشيوخ تأييدهم للرئيس ترامب خوض الانتخابات الرئاسية التي سيتم فيها التركيز على موضوعات، مثل التضخم والبطالة، وارتفاع تكاليف المعيشة، وتكلفة الرعاية الصحية، وجودة التعليم العام، معالجة تغير المناخ، إضافة للقضايا الخارجية، وعلى رأسها مسألة غزة وارتباطها بأمن إسرائيل، واستمرار التصعيد، وروسيا والحرب في أوكرانيا.

ولعل ما يجري أيضاً في الحزب «الديمقراطي» – وفي المقابل - ما يؤكد أن ثمة تطورات مفصلية تجري، ومنها قيام اللجنة الوطنية «الديمقراطية» بوضع جدول جديد أدى إلى إخراج «نيو هامبشاير» من المركز الأول لتحل محلها «ساوث كارولينا».

ولعل الهدف من التغيير المدعوم من الرئيس بايدن هو إضافة المزيد من التنوع إلى تقويم الحزب، وتعزيز أصوات الأقليات من خلال وضع ولايات أكثر تنوعاً ديموجرافياً في وقت مبكر من انطلاق الحملات الانتخابية. وينظر على نطاق واسع إلى الولايات التي تصوت أو تتجمع أولاً على أنها أساسية لمسار الدورة وزخمها، وبموجب خطة اللجنة الوطنية الديمقراطية، سيدلي الديمقراطيون في نيو هامبشاير بأصواتهم في 6 فبراير، بعد أيام من الانتخابات التمهيدية للحزب «الديمقراطي» في ساوث كارولينا، والتي ستجري في 3 فبراير.ومن المتوقع إذن - ووفقاً لما يجري في الحزبين - أن يستخدم الرئيس السابق ترامب خطاباً تصعيدياً بشكل متزايد في أثناء حملته للفوز بترشيح الحزب «الجمهوري».

وإذا فاز فإن حلفاءه يخططون لتوظيف الداعمين له في الحكومة، حتى لا تعيق البيروقراطية خطط ترامب الأكثر إثارة للجدل، كما استخدم استراتيجية هيمنة «الجمهوريين» في المجالس التشريعية للولايات المتأرجحة، ومناصب حكام الولايات.

إجمالاً سيكون من الصعب على الرئيس ترامب أن يحاول تغيير خسارته في عام 2024، مقارنة بعام 2020، لتبقى الطريقة الأكثر ترجيحاً لعودته إلى منصب الرئاسة.

من المتوقع أن تشهد انتخابات 2024 أحداثاً غير مسبوقة، بما في ذلك سيناريوهات لم تتحقق بشكل ملحوظ في 2020، وتشمل هذه السيناريوهات احتمالات وقوع أعمال غير مسؤولة أمام صناديق الاقتراع، كما تجدر الإشارة أنه حتى الآن تمكن مؤيدو ترامب من تحقيق مكاسب داخل الحكومات المحلية للولايات في العديد من المناطق الريفية، كما تمكنوا أيضاً من توسيع سلطتهم داخل الهيئات التشريعية «الجمهورية»، من مجالس الولايات إلى الكونجرس، حتى إن نائب لويزيانا «مايك جونسون»، الذي ساعد في دعم الدعوى القضائية لإلغاء فوز بايدن، هو رئيس مجلس النواب الحالي.

وإذا احتفظ «جونسون» بمنصبه في يناير 2025، فقد يكون في وضع يسمح له بتعطيل التصديق على فوز الرئيس بايدن، حيث تبدو فرص الرئيس السابق في الحصول على ترشيح الحزب «الجمهوري» كبيرة إلا في حال قررت المحكمة العليا استبعاده بسبب الاتهامات القضائية العديدة التي يواجهها، الأمر الذي يؤكد استمرار المواجهات المتعددة داخل الحزبين، استعداداً للانتخابات الرئاسية المقبلة.

*أكاديمي متخصص في الشؤون الاستراتيجية.