على مر سنوات، غطيتُ العديد من الحروب الدموية، وكتبتُ بشكل منتقد عن قصف المدنيين بشكل متهور. ولكن هذه المرة، الأمر مختلف: ذلك أن حكومة بلدي هي التي تقف إلى جانب ما وصفه الرئيس جو بايدن بـ«القصف العشوائي». هذا لا يشبه استهداف المدنيين بشكل متعمد، مثلما كانت تفعل تلك الدول، ولكن باعتباري دافع ضرائب، فإنني أساعد في دفع ثمن القنابل.

غير أن الرد العسكري ليس خياراً بين أمرين فقط، بل هو متاح على سلسلة من الخيارات، ولكن إسرائيل، المصدومة من الهجوم الذي تعرضت له، اختارت الرد بقنابل تزن 907 كيلوغرامات من أجل تدمير أحياء بأكملها، ولا تسمح بدخول سوى قدر قليل من المساعدات إلى القطاع، الذي بات الآن على شفا المجاعة. والنتيجة هي أن هذه لا تبدو حرباً على «حماس»، وإنما حرب على الفلسطينيين في غزة.
العديد من الأميركيين تنتابهم مشاعر متضاربة إزاء الحرب. وربما يؤثرون التزام الصمت عوضاً عن الدخول في نقاشات حادة واستقطابية قد تكلّفهم بعض الصداقات، أو قد يغضون الطرف، غير أن الكاتب والناشط السياسي الأميركي العظيم إيلي ويزل العظيم وصف اللامبالاة بأنها «الخطر الأكثر غدراً على الإطلاق»، مشيراً إلى أن «المعاناة الإنسانية في أي مكان تهم الرجال والنساء في كل مكان». 
والواقع أن معاناة الأطفال ينبغي أن تثير قلقنا بشكل خاص – ولاسيما أن نصف الفلسطينيين في غزة من الأطفال. وتشير تقديرات منظمة «اليونيسف» إلى أنه وسط فوضى الحرب والنزوح هناك ما لا يقل عن 17 ألف طفل في غزة غير مصحوبين بوالديهم أو منفصلين عنهم. 

بعضهم سيحمّل «حماس» مسؤولية كل هذا: فلو أنها لم تهاجم المدنيين الإسرائيليين، لما كان هناك قصف إسرائيلي. وهذا صحيح، ولكن بالنسبة لي هذا تهربٌ من المسؤولية الأخلاقية. ذلك أن إسرائيل وأميركا تتمتعان بالقدرة على الفعل، والفظاعات التي تعرض لها مدنيون إسرائيليون لا تبرر تسوية الأحياء الفلسطينية بالأرض. 
على بايدن أن يراجع نفسه: ذلك أنه لا يتوانى عن انتقاد روسيا بشدة بسبب قصفها المدنيين، وتقويض النظام الدولي القائم على القواعد، في الوقت نفسه الذي نوفر فيه القنابل التي يمكن أن تمحو الأحياء في غزة، وفي الوقت نفسه الذي نقدم فيه غطاء دبلوماسياً لرئيس الوزراء بنيامين نتنياهو، بينما يواجه الفلسطينيون في غزة مجاعة وشيكة. 
وفضلاً عن ذلك، فإن بايدن علّق تمويل وكالة «الأونروا»، المسؤولة عن تقديم المساعدة للفلسطينيين في غزة، من دون تحديد أي خطة بديلة وقابلة للتطبيق لتوزيع المساعدات. ولا شك أنه محق في الشعور بالغضب، لأن نحو عشرة من موظفي الأونروا (من أصل 13 ألف موظف) شاركوا على ما يفترض في هجمات السابع من أكتوبر، ومن الجيد أن الأمم المتحدة طردت أولئك الموظفين على الفور. والحال أنه إذا كانت «الأونروا» غير قادرة على العمل بسبب تعليق التمويل، فإن الأطفال في غزة سيموتون. 
فمما لا شك فيه أنه من غير المقبول أن يحتمي إرهابيو «حماس» وراء وكالة تابعة للأمم المتحدة، كما أنه من غير المقبول أن يعاني الأطفال الجوع نتيجة أفعالنا -- في الوقت نفسه الذي نقول فيه لأنفسنا، إننا نتخذ موقفاً أخلاقياً صائباً. 
إن القرارات المتعلقة بشن الحرب مؤلمة، لأن المدنيين الأبرياء يعانون دائماً. وهذا يقتضي حساب المكاسب الاستراتيجية في مقابل التكلفة البشرية.
صحيح أن الناس سيزنون هذه الأمور بشكل مختلف، ولكن علينا أن نقاوم الميل إلى اعتبار الأشخاص الذين ينتمون إلى أجناس وأديان وأعراق أخرى مختلفين. فحينما نكون عالقين في أحد الصراعات، فإننا نميل إلى تجريد الطرف الآخر من إنسانيته، غير أنه يمكننا محاربة هذه النزعة من خلال التأكيد على إنسانيتنا المشتركة، والاعتراف بأن كل الأرواح لها قيمة متساوية. 

إن حياةً ثمينة مثل حياة أي طفل أميركي أو إسرائيلي تعود لفتاة ذكية في العاشرة من عمرها في غزة، كان يفترض أن تكون بصدد التخطيط بفرح للسفر إلى اليابان. ولكن بدلاً من ذلك، تبتسم بشجاعة مغالبة الألم الشديد، ويجب أن تخضع لعملية بتر لأحد أطرافها من أجل إنقاذ حياتها، ويجب علينا -- نحن الأميركيين -- أن نواجه تواطؤنا في مأساتها ومأساة كل غزة.

ينشر بترتيب خاص مع خدمة «نيويورك تايمز»