«آن هيدالجو» تترأس «لوتيل دو فيل»، وهو مقر بلدية باريس الفخم الذي يتكون من 600 غرفة، حيث تعلن بطاقاتُ قائمة الطعام المطبوعة بشكل أنيق، على طاولة تتسع لـ15 شخصاً، عن وجبة شهية، ولكنها بيئة تنطوي على بعض التناقض بالنسبة لشخصية بارزة من الحزب الاشتراكي، قضت 10 سنوات في المنصب، شخصية يشيد بها المخططون الحضريون، ويمقتها الناخبون الفرنسيون، وتركز هذه الأيام على الاستعدادات للألعاب الأولمبية والألعاب البارالمبية التي ستحتضنها العاصمة الفرنسية هذا الصيف، والتي تُعد الأولى من نوعها التي تحتضنها المدينة منذ قرن. 
هيدالجو، البالغة 64 عاماً، مفارقةٌ ذاتية الصنع، فقد ضغطت بشدة من أجل تمرير سياسات جذرية تروم إعادة تشكيل أجمل مدينة في العالم بحيث تصبح صديقةً لراكبي الدراجات، وللمشاة، وقريباً، جنة بيئية صديقة لهواة السباحة، كما تأمل. وقد استخدمت الألعاب الأولمبية لتسريع تنفيذ هذه الأجندة، إيماناً منها بأن ارتفاع حرارة كوكب الأرض سيجعل المدينة غير صالحة للعيش في غضون ربع قرن إذا لم يتم اتخاذ إجراءات جذرية.
بيد أنها لا تدافع عن حربها على السيارات والانبعاثات الكربونية بشكل جيد، ما يعطي صورة إرادة قوية، كثيراً ما تُؤول على أنها غطرسة، وانعدام حساسية، واعتداد بالنفس. وهذا الأمر ساهم، إلى جانب سياساتها، وربما جرعة من التمييز على أساس النوع، في الكراهية التي باتت تثيرها. وهي كراهية حادة بين المقاولين وسائقي سيارات الأجرة وسكان الضواحي، وغيرهم ممن يستخدمون الطرق في باريس، المدينة التي يبلغ عدد سكانها مليوني نسمة وتشهد اختناقاً في حركة المرور في العدد المتناقص من الشوارع التي يُسمح فيها بمرور السيارات.
وبشكل عام، تواجه هيدالجو التهمة الخطيرة المتمثلة في إيذاء جمال باريس الرومانسي. فالمدينة التي تثير إعجاب الكثيرين تديرها رئيسةُ بلدية تثير الكثير من الغضب والشجب، وبعضه غير مستحق، بين الباريسيين الذين باتوا مستائين منها، ومن التغييرات الهائلة التي أدخلتها على المشهد الحضري. 
هيدالجو لعبت دوراً أساسياً في جلب الألعاب الأولمبية إلى باريس، ووسمتها بميسم الأمور ذات الأولوية. ومن المنشآت التي عززت البنية التحتية الرياضية في المدينة «قاعة أديداس» الجديدة التي تعلوها ألواح كهروضوئية ستحوّل طاقة الشمس إلى كهرباء، والتي بُنيت بمواد «خضراء»، بما في ذلك ما يسميه المسؤولون «الطوب النافع»، المصنوع من مواد محلية.
وقد صُممت ألعاب باريس لتكون فرجة وعرضاً باهراً حتى بالمعايير الأولمبية. وإذا كان حفل الافتتاح في الماضي يُقام داخل الملاعب، فإن اليوم الأول من أولمبياد باريس، 26 يوليو، من المتوقع أن يشارك فيه 10 آلاف رياضي محمولين على مئات المنصات العائمة على امتداد6 كيلومترات على نهر السين، الذي ستكتظ ضفتاه بمئات الآلاف من المتفرجين. 
ومن المنتظر أن يكون عرضاً مبهرجاً، وربما كابوساً أمنياً أيضاً. وستكون تلك لحظة هيدالجو، ومناسبة لطي صفحة حملة 2022 الرئاسية الكئيبة التي حصلت فيها على المركز العاشر بأقل من 2 في المئة من الأصوات. ولكن كيف سينظر العالم إلى عمدة ضحّت بشعبيتها من أجل رؤيتها لمستقبل مستدام؟ 
هيدالجو تقول: «إن رؤساء البلديات في أوروبا وحول العالم يقولون لي إنه إذا نجح الأمر في باريس، فهذا يعني أنهم يستطيعون القيام بذلك أيضاً». 
من أجل هذه الألعاب، من المتوقع أن وصول 15 مليون زائر، أي أضعاف السياح الذين يزورون المدينة عادة في الصيف. واستعداداً لهذه المناسبة، صُقل وسط باريس الأنيق كالعادة صقلاً، رغم أكوام القمامة المعتادة وجحافل الجرذان التي تعج بها الشوارع والأرصفة الملوَّثة بمخلفات الكلاب. وعادت كاتدرائية نوتردام، التي كادت تدمر بسبب حريق في 2019، لتتوهج من جديد في وقت شارفت فيه عملية إعادة بنائها السريعة على الانتهاء. وفي الأثناء، تهدف عملية تنظيف واسعة لنهر السين إلى جعله صالحاً لاحتضان منافسات السباحة في المياه المفتوحة خلال الألعاب، وللسباحة في وسط المدينة لأول مرة منذ قرن.
مقاربة هيدالجو أُنشأت مئات الكيلومترات من الممرات الجديدة الخاصة بالدراجات وأخلت الشوارع والساحات من أجل المشاة. كما حسّنت وسائل النقل، وزرعت الأشجار، وتبنت فكرة «مدينة الـ15 دقيقة» – أي، فكرة أن المتاجر والمدارس والأماكن الثقافية يجب ألا تكون بعيدة بأكثر من ربع ساعة بالنسبة للجميع، دون اللجوء إلى السيارة.
ولكن رؤيتها كانت لها تكلفة. تكلفة تشمل وسطَ المدينة والمناطق المجاورة له، والتي كادت تصبح حكراً على السياح والأغنياء، وطبقة متوسطة مضغوطة اضطرت للمغادرة إلى الضواحي، حيث تتفشى مشاعر الازدراء والاستياء إزاء هيدالجو. ونتيجة لذلك، انخفض عدد سكان باريس بأكثر من 120 ألف نسمة خلال العقد الماضي، خسارة أشادت بها هيدالجو، بانعدام حساسيتها المعتاد، باعتبارها انخفاضاً مرحباً به في الكثافة السكانية. كما ساهم الترياق الذي اجترحته لمواجهة ارتفاع تكاليف المعيشة، والمتمثل في إعانات دعم تغطي حوالي ربع مخزون المساكن، في تضخم العجز وارتفاع صاروخي في ضرائب العقارات المحلية. 
والواقع أن الباريسيين المتذمرين ممتعضون من الألعاب الأولمبية، والكثير منهم يخطّط للفرار من المدينة التي أصبحت بالنسبة لهم قبلة للسياح، ومكاناً لا يطاق.
ومن جانبها، ما زالت رئيسة البلدية ملتزمة بالخط المرسوم بشكل جامد. وتقول: «السياسة بالنسبة لبعضهم هي الترفيه، ولكنها بالنسبة لي تتعلق بالسياسات، إنها تتعلق بالسياسة المحلية وإنجاز الأمور». 

ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست لايسنسينج آند سيندكيشن»