لستُ من المؤيدين لحرب لا نهاية لها في أوكرانيا، بل أرى أنه ينبغي لنا أن نبحث دائماً عن إمكانية التوصل إلى تسوية متفاوض بشأنها بين كييف وموسكو. وقد أظهر هذا العام شيئين اثنين لأميركا وأوروبا، وهما أن الغرب لا يستطيع الاستمرار في ضخ الأموال في أوكرانيا لتمويل طريق مسدود، وأن نصراً واضحاً لأوكرانيا أو روسيا، بات يبدو أبعد من أي وقت مضى.

بيد أن طريق التوصل إلى تسوية لائقة ومتفاوض بشأنها لا يكمن في قطع المساعدات عن كييف بشكل تام ومفاجئ، وهو النهج الذي يؤيده ويدافع عنه العديد من «الجمهوريين» في مجلس النواب وبعض زملائهم في مجلس الشيوخ. فهذا ليس مخزياً فحسب، ولكنه جنون استراتيجي أيضاً.

والطريقة الوحيدة للتوصل إلى اتفاق الآن أو مستقبلاً -- اتفاق يصبّ في مصلحة أوكرانيا ويصبّ في مصلحة الغرب -- تتمثل في إعادة التأكيد على مساعدتنا العسكرية والاقتصادية لكييف مع مضاعفة الجهود الدبلوماسية الرامية لإنهاء الحرب. أجل، إنه عمل صعب، فإنهاء الحروب صعب دائماً. ولا بد من بعض التنازلات الصعبة من كلا الجانبين. وبالنسبة لي، هذا يعني أن تخرج أوكرانيا من هذه الحرب، على أقل تقدير، بمسار واضح نحو الحصول على عضوية الاتحاد الأوروبي.

وإذا استطاعت أوكرانيا، بجيشها المتقدم وسلّة غذائها الزراعية العملاقة وقطاعها التكنولوجي الشاب والمزدهر، الانضمام إلى الاتحاد الأوروبي يوماً ما، فإن ذلك سيقرّب الأوروبيين أكثر من تحقيق هدف أوروبا موحدة وحرة وسيجعل الاتحاد الأوروبي أقوى بكثير كلاعبٍ على الساحة الدولية -- يدعم الديمقراطية، والأسواق الحرة، والتعددية وحكم القانون. وكل هذا جيّد لنا.

بيد أن التوصل لأي اتفاق لائق لأوكرانيا لن يكون ممكناً إذا سمحنا لترامب وحزبه بقطع المساعدات عن كييف الآن. فكما أفاد زملائي في «نيويورك تايمز» في أوكرانيا الأسبوع الماضي، فإن الجيش الأوكراني «منخرط (الآن) في معركة يائسة لصد الهجوم الروسي... عبر كل الجبهة التي يبلغ طولها 965 كيلومتراً، تعاني أوكرانيا من نقص في الذخيرة بدون تجديد المساعدة العسكرية الأميركية، وتكافح من أجل تجديد قواتها المستنزفة بعد عامين من القتال». والأكيد أنه إذا تخلينا عن أوكرانيا، فإن الوجهة التالية للتعرض للتهديد قد تكون دول البلطيق أو بولندا.

والحال أن كليهما عضو في حلف الناتو، ما يعني أننا سنكون ملزمين بموجب المادة 5 من معاهدة حلف شمال الأطلسي بالدفاع عنهما بجنودنا وثروتنا. ولذلك فإن التخلي عن أوكرانيا الآن قد يكون واحداً من أبهظ الأشياء التي يمكن أن نقوم بها.

وفي الأثناء، نشاهد حالياً مدرستين في السياسة الخارجية الأميركية تتنافسان بخصوص أوكرانيا. الأولى هي مقاربة القوة العظمى الكلاسيكية، مقاربة يقودها رئيس نشأ في الحرب الباردة ويبني على القيم والمصالح الأميركية التي أفادتنا منذ أن دخلنا الحرب العالمية الثانية: فنحن وحلفاؤنا سنتفاوض مع بوتين، ولكن فقط من موقع قوة، وليس من موقع ضعف. كما أننا نستمد قوتنا ليس من أموالنا وأسلحتنا فحسب، ولكن أيضاً من حقيقة أن بايدن تمكن من تشكيل ائتلاف غربي بشأن أوكرانيا ضاعف قوة الولايات المتحدة وقوة حلفائنا عشر مرات.

وعلى النقيض من ذلك، فإن ترامب كثيراً ما يتصرف كما لو أنه تعلّم شؤونه العالمية ليس في «كلية وارتون» وإنما من خلال مشاهدة عروض «المصارعة الترفيهية». ذلك أن الكثير مما يفعله محض أداء واستعراض، فالأمر كله يتعلق بالظهور القوي، والتحدث بقوة، والضربات المزيفة، التي يُخدع بها الجميع باستثناء منافسينا. وعلى سبيل المثال، فإن ترامب ألغى الاتفاق النووي الإيراني في مايو 2018 بدعوى أنه كان هدية من باراك أوباما. ولكنه فعل ذلك بدون أي خطة دبلوماسية لتأمين صفقة أفضل، ولا خطة استراتيجية بديلة.

وقد حدث هذا قبل أن يتمكن حلفاؤنا من معرفة مدى قلة ما يعرفه ترامب أو يقدّره بشأن التحالف الغربي. والأكيد أنه في المرة الثانية لن يثق فيه أحد، ومن شبه المؤكد أن استراتيجية «أميركا أولاً» التي ينتهجها ترامب حالياً ستصبح في نهاية المطاف استراتيجية «أميركا وحيدة». وإذا كنت تعتقد أن مساعدة أوكرانيا باهظة الثمن اليوم، فحاول الدفاع عن أميركا ضد روسيا والصين وإيران -- وكل ذلك بمفردنا فقط.

*كاتب وصحافي أميركي

ينشر بترتيب خاص مع خدمة «نيويورك تايمز»