أعلنت المجموعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا (الإيكواس)، السبت الماضي، أنها سترفع الجزء الأشد من العقوبات المفروضة على النيجر، ويشمل إغلاق الحدود ووقف المعاملات المالية بأثر فوري، ورغم جزئية قرار رفع العقوبات، وتبريره باعتبارات إنسانية، وعدم شموله مالي وبوركينافاسو اللتين فُرضت عليهما عقوبات بعد تغيير نظامي الحكم فيهما بانقلابين عسكريين، كما حدث للنيجر بعد انقلابها العسكري في يوليو الماضي، فإن القرار يفتح الباب لمراجعة «الإيكواس» سياستَها تجاه الانقلابات العسكرية، وهي ذاتها سياسة الاتحاد الأفريقي، وكنت قد كتبت في 8 أغسطس الماضي على هذه الصفحة مقالة تناولتْ موقف «الإيكواس» والاتحاد الأفريقي من الانقلاب، وهو موقف ينطلق من الحرص على صون الديمقراطية من خطر الانقلابات العسكرية، وهذا ما لا يمكن الاعتراض عليه، غير أن انتقادي هذا النهج الذي لا شك في نبل مقصده هو أنه يساوي بين الانقلابات، إذ إن بعضها (وربما معظمها) قد لا يعكس سوى شهوة أشخاص أو فئة ما للسلطة أو تحريض خارجي، لكن ثمة انقلابات أخرى -بغض النظر عن نسبتها- تَحدث بسبب أوضاع خاطئة لا تمت للديمقراطية بصلة، والمثال الأشهر في هذا الصدد هو الحكم الفاشي لجماعة «الإخوان المسلمين» (يونيو 2012-يونيو 2013) الذي لم يطق عليه الشعب المصري صبراً منذ شهوره الأولى، ودعمته في ذلك قواته المسلحة، لذا كانت ثورة يونيو 2013 على هذا الحكم «انقلاباً على الشرعية» من الناحية الشكلية، لكنها كانت عملاً من صميم الديمقراطية من حيث الجوهر. لكن كيف تتم التفرقة بين انقلابات لا تهدف إلا للسلطة، أو تتم بوحي أجنبي وأخرى تفتح باباً للديمقراطية، أو تنتفض ضد التبعية للخارج على نحو ما تم في انقلابات النيجر ومالي وبوركينافاسو؟ في هذا السياق طُرحت في أكثر من مناسبة فكرةُ أن المنظمات الحريصة حقاً على الديمقراطية، كالاتحاد الأفريقي والإيكواس، يجب أن تسعى بآليات موضوعية نزيهة لرصد أمين لحالة الديمقراطية في بلدانها، بحيث إذا لوحظ أن ثمة مشاكل حقيقية في المسار الديمقراطي يمكن أن تكون بمثابة إنذار مبكر يدفع لنصح الأنظمة التي تعاني هذه المشاكل باتخاذ الخطوات الكفيلة بتفادي الخروج على المشروعية القانونية. وليس هذا بالعمل الهين بطبيعة الحال، إذ من المؤكد أنه سيُواجه بممانعة من الأنظمة القائمة، لكن الموضوعية والحرص على الاستقرار وتفادي العنف يمكن أن تجعل هذه المهمة ممكنة رغم صعوبتها. فماذا لو وقع المحظور وحدث انقلاب، رغم محاولة التحوط لعدم حدوثه؟ هنا قد لا تكون المسارعة بتعليق العضوية وفرض العقوبات وقطع الاتصالات هي البداية، على أن تكون الأولوية لمحاولة ضمان أمن الجميع والتباحث في العودة بأقصى سرعة ممكنة لمسار الشرعية، بمعنى العمل إما على التوصل لتفاهمٍ وحلول وسط ما بين النظام الذي تم الانقلاب عليه والانقلابيين بتلبية بعض المطالب المشروعة واتخاذ إجراءات تصحيحية ما مثلاً، أو إذا استحال ذلك التفاهم مع الانقلابيين على ضرورة إجراء انتخابات تحت إشراف دولي بأسرع ما يمكن، فإذا اتضح تعنتهم أمكن تطبيق الإجراءات العقابية. ومما يشجع على اتباع هذا النهج أن الإجراءات العقابية لم تفض في التجارب السابقة إلى نتائج إيجابية، فهل تكون قرارات «إيكواس» الأخيرة بداية للمراجعة المطلوبة؟

*أستاذ العلوم السياسية -جامعة القاهرة