أحدثت التكنولوجيا تحولات جذرية في شتى المجالات، ومنها التعليم. فقد ألقت جائحة «كورونا» التي اجتاحت العالم منذ نحو ثلاث سنوات، الضوء على ضرورة إعادة النظر في العملية التعليمية، ما أدى إلى تبني مفاهيم جديدة كانت حتى ذلك الحين تحظى بقبول محدود. ومن أبرز هذه المفاهيم التعليم المرن والتعليم الافتراضي، واللذان يُعتبران الآن ركنين أساسيين في المشهد التعليمي الحديث.
يُعرف التعليم المرن بأنه ذلك النوع من التعليم الذي لا يتقيد بزمان ومكان محددين، مما يمنح المتعلمين حرية أكبر في إدارة عملية التعلم الخاصة بهم. يتميز هذا النوع من التعليم بكونه متكيفاً ومرناً لتلبية الاحتياجات المتغيرة للطلاب، من خلال توفير مرونة في طرق التدريس، الجداول الزمنية، والمواد التعليمية. 
التعلم الذاتي يمثل ثورة في مفهوم التعليم، حيث يتحمل فيه الفرد مسؤولية تعلمه، مستقلاً في تحديد احتياجاته التعليمية، أهدافه، والموارد اللازمة لتحقيقها. يُعزز هذا النمط من التعلم البحث النشط، حل المشكلات، والتفكير النقدي، مما يجعله ضرورياً في عالم يتسم بالتغيير المستمر والحاجة إلى التعليم المستمر.
يسهم التعلم الذاتي في تطوير مهارات فردية مهمة، لكنه يواجه تحديات تتمثل في ضرورة امتلاك مهارات تنظيمية وحفاظ الطلاب على دوافعهم وانضباطهم. وعلى الرغم من هذه التحديات، فإن التعلم الذاتي يُعد خطوة مهمة نحو تحقيق تعليم متكيف وشخصي يلبي احتياجات الطلاب المتنوعة.
نحن اليوم على أعتاب عصر جديد في التعليم، بفضل التطور السريع في مجال التكنولوجيا، وخاصةً تقنيات الذكاء الاصطناعي. هذه التقنيات تفتح آفاقاً واسعة لإحداث تحول في العملية التعليمية، حيث يمكن للذكاء الاصطناعي أن يتخذ دور المعلم في بيئات تعليمية افتراضية، مما يدعم فكرة التعليم المرن والتعلم الذاتي.
في هذا السياق، تبرز أهمية التكنولوجيا في دعم التعليم المرن والتعلم الذاتي، من خلال توفير أدوات ومنصات رقمية تعزز التجربة التعليمية، وتتيح تكيف التعليم مع احتياجات كل طالب. ومع هذا التقدم، تتغير متطلبات سوق العمل بسرعة، ما يجعل القدرة على التعلم المستمر والتكيف مع التغيرات مهارات أساسية للنجاح في القرن الحادي والعشرين
يطرح التطور التكنولوجي تساؤلات حول مستقبل التعليم التقليدي وعلاقته بالتعليم المرن والتعلم الذاتي. هل ستتحول الكفة لصالح الأساليب التعليمية الجديدة؟ 
التعليم المرن والتعلم الذاتي يقدمان فوائد متعددة، منها مرونة التوقيت والوتيرة التي تناسب الطلاب المشغولين بالعمل أو أنشطة أخرى. لكن، هناك حاجة إلى المهارات التنظيمية والانضباط الذاتي، وقد يكون التفاعل المباشر من خلالهما أقل مقارنةً بالتعليم التقليدي.
من ناحية أخرى، يوفر التعليم التقليدي بيئة منظمة تدعم تطوير الانضباط والتعلم التعاوني. في هذا الإطار، يبدو التوازن بين النهجين كحل مثالي لتحقيق فائدة تعليمية متكاملة، تراعي الاحتياجات المعرفية والمهارية للطلاب. يتطلب هذا التوازن إجراء دراسات معمقة لتحديد الآليات الأفضل للدمج بين التعليم التقليدي والمرونة.
في الإمارات، يتم تبني مفاهيم التعليم المرن والتعلم الذاتي مع التركيز على دمج التقنيات الحديثة مثل الذكاء الاصطناعي في العملية التعليمية. هذا يتوافق مع الرؤية الاستراتيجية للإمارات في تحقيق نظام تعليمي متكامل يلبي احتياجات العصر الرقمي. الإمارات تركز على تطوير مهارات التعلم الذاتي والمبادرة لدى الطلاب، مع توفير الموارد والأدوات الرقمية التي تساعدهم على تحقيق ذلك. ففي عام 2018، أطلقت منصة «مدرسة»، وهي منصّة تعليمية إلكترونية تقدم محتوى تعليمياً باللغة العربية في مواد العلوم والرياضيات كافة، وأيضاً هناك مبادرة «المدرسة الرقمية» التي أطلقت عام 2020.
يُتوقع أن يشهد المستقبل تطويراً وتكاملاً بين التعليم التقليدي والنهج المرن، مع تركيز متزايد على التعلم مدى الحياة واستخدام التكنولوجيا لتعزيز التجارب التعليمية، ما يوفر خيارات تعليمية متنوعة تتوافق مع احتياجات الطلاب.
*أستاذ زائر بكلية التقنية العليا للبنات، وباحثة إماراتية في الأمن الاجتماعي والثقافي