من أكثر ما يُفرح الزعماء والقياديين بالعالم أن يعثروا على من ينفّذ نظرياتهم ويطبق استراتيجياتهم، وآية ذلك أن الرئيس والقائد يضع السياسات العليا للدولة ويبارك للذي ينفذها على الأرض بالطريقة الصحيحة.
وبتكريم صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، رئيس الدولة، حفظه الله، لمعالي الدكتور سلطان أحمد الجابر، وزير الصناعة والتكنولوجيا المتقدمة، والرئيس المعيّن لمؤتمر الأطراف COP28، تتضح هذه المقولة، « أن القائد يحتفي بنجاح من راهن عليه، ويبارك له أنْ فهم ونفذ وطبق ما يريد رئيسه بالحذافير، ويتجاوز الصعوبات المستجدة، ويراهن على النجاح ويفوز بالسباق، هذه مهمته التي ألقيت على عاتقه».
والحق يقال إن التحدي الأكبر كما قال الوزير الجابر يكمن في تزامن استضافة COP28 مع الأوضاع المقلقة والانقسامات التي يشهدها العالم على أكثر من صعيد، لذلك لم تكن الرحلة نحو انعقاد المؤتمر سهلة، بل يشرحها الوزير شخصياً أن المفاوضات خلال فترة انعقاد المؤتمر مرت بمراحل صعبة، كونه استضاف 198 دولة ومنظمة كل منها لديها مواقف وآراء ومصالح مختلفة عن الآخرين.
وبما أن التوصل إلى القرارات والمخرجات التفاوضية في المؤتمر يجب أن يكون بالإجماع، كانت الجهود مضاعفةً والتواصل مع جميع الأطراف المعنية مكثفاً، كما تحلى فريق المفاوضين بمهارات دبلوماسية كبيرة لتذليل الصعوبات والحواجز وتقريب وجهات النظر والتوفيق بين الآراء بشأن قرارات ومخرجات المؤتمر.
عبر التاريخ ثمة ريادة واستجابة، هذه نظرية أستاذنا القدير أبو عبدالرحمن إبراهيم البليهي، حفظه الله، الذي خصصّ لهذه النظرية كتاباً كاملاً. ثمة زعامة تقود، واستجابة تنفيذية مع رصانة مجتمعية.
لا يمكن أن يتحقق أي تقدم-كما يعبّر البليهي في نظريته- في أي مجال إلا بالتكامل العضوي بين الريادة والاستجابة. فالثبات هو الأصل أما تجاوز هذا الأصل فلا يتحقق إلا بالريادة والاستجابة لها. فمنذ بدء التاريخ الإنساني كان المألوف لأي مجتمع أو لأية مجموعة بشرية، يحيط ذاته بأسوار عالية ومغلقة ومقدَّسة وبهذا يكاد يكون محالاً اجتياز هذا المألوف. وبسبب ذلك تندر محاولة هذا الاجتياز، فلا تحصل هذه المحاولة النادرة إلا من الرواد الخارقين الذين يمثلون أقليَّة صغيرة جداً في أي مجتمع. أما الأكثرية فتبقى راضية ومطمئنة خلف هذه الحصون الثقافية المنيعة لأن كل مألوف يجعل المنتمين إليه يغتبطون به ويُقَدِّسونه ويرون أن أيَّ ثلْم له هو ثلْمٌ لهم.
الإنسان كائنٌ تلقائي. يتبرمج بالأسبق إليه من الثقافات، فتصبح هذه البرمجة هي مألوفة المسيطر على عقله وعواطفه والموجه لسلوكه.فلا يخرج عنه إلا بجارف قوي يوقظه بقوة ويأخذه عنوة خارج تحصينات المألوف القوية.
الخلاصة، أن تكريم الوزير الجابر هو عنوان للتكامل بين الريادة والاستجابة، بين طرح الاستراتيجية من القائد والملهم وبين تنفيذها من المستجيبين والمنفّذين.
بهذا التكامل تُصنع الدول، وتنهض الحضارات، والأمثلة على هذا كثيرة في أوروبا ونهضتها القديمة، وفي النمور الآسيوية الحديثة، والآن ثمة أمثلة تحتذى، حين تطرح استراتيجية عظيمة من قائد محنّك تحتاج إلى من منفّذ يقول «أنا لها» وقد كان.
*كاتب سعودي