نشرت حكومة دولة الإمارات في 23 سبتمبر 2023 ورقة نقاش مفصلة حول موضوع ندرة المياه العالمية بعنوان «تداعيات متلاحقة: ندرة المياه، التهديد الخفي للأمن والازدهار العالميين». وتمثل الورقة التي نشرتها وزارة الخارجية الإماراتية على هامش المناقشة العامة للجمعية العامة للأمم المتحدة، دعوةً عالمية مفتوحة لجميع أعضاء المجتمع الدولي للعمل سوياً وتبنّي أساليب وطرق جديدة لمواجهة هذا التحدي المتُفاقم الذي يهدد أمن وازدهار العالم. وكانت هذه الورقة إيذاناً بإطلاق مبادرة مهمة، بل غاية في الأهمية، في الوقت الذي يواجه فيه العالم شحاً في المياه وندرةً في تدفقها من مصادرها الطبيعية، فجاءت «مبادرة محمد بن زايد للماء» قبل أيام لمواجهة هذه التحديات البيئية وتوسيع التعاون الدولي للتعامل مع الأزمة وتعزيز الوعي العام بها وبخطورتها على المستوى العالمي وليس الإقليمي فحسب، فضلاً عن تسريع وتيرة الابتكار وتوظيف التكنولوجيا لحل هذه الأزمة وزيادة الاستثمارات الهادفة إلى التغلب على هذا التحدي العالمي.
كان «نقا بن عتيج» خزان أبوظبي قديماً، وكان شريان الحياة الذي تتدفق منه مياهها من منطقة الساد في العين إلى أبوظبي، وقد تم بناؤه في عام 1964 ليصبح اليوم معلماً تاريخياً تم تصنيفه من قبل دائرة الثقافة والسياحة ضمن 64 موقعاً تراثياً حديثاً في الإمارات. وموقع الخزان «نقا بن عتيج» هو المكان الذي انطلقت فيه الشراكة بين «مبادرة محمد بن زايد للماء» ومؤسسة «إكس برايز» الأميركية التي تسعى إلى ابتكار مسابقة «إكس برايز للحد من ندرة المياه»، والتي ستمولها المبادرة بمبلغ 150 مليون دولار ضمن جوائز تحفيزية تصل قيمتها الإجمالية 119 مليون دولار لدعم المبتكرين حول العالم في مجال تقديم الحلول الفاعلة والمستدامة وتطويرها لتعزيز كفاءة تقنيات تحلية المياه والحد من الأزمات المتوقعة.
وتتفاقم أزمة ندرة الماء العالمية وتشكل تحدياً متنامياً يؤثر على الأفراد والمجتمعات حول العالم، حيث يعاني قرابة أربعة مليارات شخص من مشكلة ندرة الماء لمدة لا تقل عن شهر سنوياً، ولأسباب متعددة من أهمها النمو السكاني المتزايد والتغيرات الديموغرافية، وتحديات البنية التحتية والحوكمة، إضافة إلى التلوث البيئي والتغير المناخي الذي تواجهه المناطق الأكثر جفافاً في العالم، إلى جانب ارتفاع درجات الحرارة.. إلخ. فكل هذه العوامل تسهم في زيادة الوفيات وتفاقم الأزمات الإنسانية، وتوسع نطاق انعدام الأمن الغذائي، والهجرات الجماعية القسرية، والاضطرابات السياسية والصراعات المسلحة على مصادر المياه خصوصاً في مناطق القرن الأفريقي وبعض دول شرق آسيا. ووفقاً لتقارير نشرتها الأمم المتحدة، وعلى ضوء المسببات الحالية والمستقبلية لندرة الماء، فإن «ثلثي سكان العالم» سيبدؤون قريباً المعاناة من نقص الماء.
الجفاف وندرة المياه لا يهددان مناطق محددة حول العالم، بل إن الولايات المتحدة -على سبيل المثال- لديها سجل جفاف ينذر بخطر المعاناة، ووفقاً لمرصد الجفاف الأميركي فإن 55 بالمئة من الولايات الأميركية تعاني من الجفاف ومخاطره. ووفقاً للأمم المتحدة أيضاً فإن 90% من سكان العالم العربي يعانون ندرة المياه، ويفتقر نحو 50 مليون شخص في المنطقة العربية إلى مياه الشرب النقية ويعيش 390 مليون شخص في بلدان عربية تعاني من ندرة المياه. 
الماء عصب الحياة (ولا حياة بدون ماء)، ومبادرات دول الخليج العربية حول المشكلات البيئية والمناخية وحماية الكوكب من المؤثرات والكوارث قبل وقوعها، تمثل في واقع الأمر استشعاراً للمسؤولية والدور المنوط بها عالمياً.

*كاتبة سعودية