إني ممن يتابعون الأعمال الدرامية في الموسم الرمضاني كل عام، ما استطعتُ إلى ذلك سبيلاً، وذلك لقناعتي بأن الإنتاج الدرامي العربي يبذل أقصى ما لديه من إبداع وجهد لتقديم الأفضل أمام مشاهد ينتظر الأفضل فعلاً.
لا يمكن متابعة جميع الأعمال، حتى بالنسبة للمتفرغين تماماً للمتابعة، لكن اختيار بعض الأعمال ضمن معايير القصة المتوقعة والقراءات المسبقة التي تزخر بها الصحف والمواقع قبل الموسم الرمضاني، علاوة على أبطال ونجوم العمل وفريقه الفني، تجعلني أضع إطاراً عاماً لثلاثة أعمال يمكن متابعتها بالتزام.
من بين أعمال هذا الموسم الرمضاني، كان اختياري لعملين هما المسلسل السوري «تاج»، والمسلسل التاريخي ذو الإنتاج المصري «الحشاشين».
كان حضور الفنان تيم حسن في مسلسل «تاج» أحد عوامل الجذب المهمة لتوقعي بأنه سيجترح إبداعاً مهماً على أي شخصية سيقدمها هذا العام بعد إبداعه الباهر في شخصية «الزند» في مسلسله الموسم الماضي، طبعاً مع حضور ممثل قدير ومتمكن مثل بسام كوسا الذي أرى في موهبته الأدبية ككاتب قصص ومثقف واسع الاطلاع زخماً إضافياً لقدرته التمثيلية.
في الحلقات الأولى التي تابعناها حتى الآن، كان ذلك الإنتاج الباهر في نقلي كمشاهد بآلة زمنية إلى أجواء مدينة دمشق في زمن الحرب العالمية الثانية والانتداب الفرنسي في سوريا. استخدام التقنية التكنولوجية البصرية في خلق المكان الدمشقي من ذلك الزمن كان باهراً من دون تكلف، وقادراً على وضع المتلقي ونقله إلى تفاصيل مدينة دمشق بكل ضجيجها الحيوي وبلا إزعاج.
وهذا يُسجَّل لفريق متمكن خلف الكاميرا استعان بخبرة تاريخية وقراءات متمكنة للجغرافيا والتاريخ والحياة الاجتماعية، لإبراز خلفية ممتلئة بالتفاصيل التي تعطي الكثير من المعرفة من دون التلقين المباشر.
فكرة حضور الترام التي كانت في معظم المشاهد الخارجية كان يمكن العمل عليها أكثر لتكون أكثرَ واقعيةً، لكنها أدت المطلوب منها وخدمت سياق العمل بالمجمل.
وبالنسبة لمسلسل «الحشاشين»، فقد كانت نقطة الجذب الأساسية فيه حكايته التاريخية التي تجذب كثيرين مثلي، خصوصاً ممن قرأوا وعشقوا رواية الأديب والمفكر الفرنسي اللبناني أمين معلوف في روايته الخرافية «سمرقند». وهي رواية يتضح فيها الشغل الحقيقي في البحث العلمي في التاريخ وتوظيفه لخلق سردية روائية دخلت الخلود في عالم الأدب العالمي.
ومن نقاط الجذب أيضاً، حضور ممثل مصري مبدع مثل كريم عبدالعزيز الذي أثبت في سنوات قليلة وبزخم أعمال متنوع حضوراً فنياً في مستويات عدة من الكوميديا إلى التراجيديا، لتتجلى خبرته التي نضجت في دوره الأخير بشخصية حسن الصباح، مؤسس حركة الحشاشين، وهو دور معقد ويحتاج خبرةً معتَّقةً ومعرفةً ثقافيةً عميقةً لتقديمه. اللافت الآخرُ كان صورةً للممثل أحمد عيد، والذي عرفناه كوميدياً بمستوى متوسط ليتحدى نفسَه بشخصية مختلفة نوعياً جعلتني متشوقاً لرؤيته في دور مختلف درامياً وكثير التعقيد، وهو ما أداه ببراعة في المشاهد الأولى.
لكن، ما يخيب الظنَّ هو عمل الفريق خلف الكاميرات الذي لم يرتق للأداء التمثيلي، من خلال ضحالة معرفية بالجغرافيا عبر مشهد صورة باريس على قمة جبل، وهو خطأ فادح وجارح، علاوةً على الإبهار البصري المتكَلَّف بالمشاهد الخارجية دون التدقيق في سياقها الزمني وتنوعها.
إنها متابعات أولى، قد تليها قراءات لاحقة حين تكتمل.

*كاتب أردني مقيم في بلجيكا