كيف يمكن حل مشكلة مثل كوريا الشمالية؟ منذ أن وضعت الحرب الباردة أوزارها، جُربت كل الصيغ الممكنة تقريباً مع كوريا الشمالية، من التهديد بالحرب إلى الوعد بالسلام. ومع ذلك، ورغم خضوعه لعقوبات أكثر من أي دولة أخرى تقريباً، فقد استطاع هذا البلد تطوير ترسانة نووية تقدر بنحو 50 رأساً نووية وصواريخ متطورة قادرة، نظرياً على الأقل، على إيصال تلك الأسلحة إلى أهداف في الولايات المتحدة.
إدارة الرئيس بايدن انتهجت على نحو ملحوظ نهجاً أكثر تردداً وغموضاً تجاه كوريا الشمالية من إدارة سلفه دونالد ترامب، إذ تنتقد زعيمها كيم جونغ أون تارة وتخطب وده تارة أخرى. غير أنه لا ينبغي لنا الكف عن محاولة اجتراح طرق جريئة لتجريد كوريا الشمالية من السلاح النووي، وتحسين حياة شعبها، وتقليل مخاطر الصراع، حتى وإن كان ذلك يعني اتخاذ خيارات صعبة وغير مستساغة. 
وقد يبدو من غير المعقول، بل وعملا انتحارياً، أن يسعى كيم إلى الحرب. والحال أن الكثير من الناس في أوكرانيا كانوا يشككون في احتمال أن تقوم روسيا بشن عملية عسكرية في أوكرانيا، إلى أن بدأت الصواريخ تتساقط في فبراير 2022، كما أن حركة «حماس» أخذت إسرائيل على حين غرة في أكتوبر الماضي. وكلا الصراعين كانت لهما خسائر بشرية مدمرة، ويستنزفان قدرة أميركا على إدارة الأزمات المتزامنة. والأكيد أن شعبي الكوريتين لا يحتاجان الحرب، مثلما لا تحتاج إليها الولايات المتحدة.
حالة انعدام الثقة المتبادلة بين واشنطن وبيونغ يانغ لم تزدد إلا استفحالا في عهد بايدن، مما يجعل إمكانية تحقيق اختراق فيها أمراً ضئيلَ الاحتمال. غير أن هناك نوعين من الديناميات في كوريا الشمالية قد تجد فيهما الولايات المتحدة بعض التأثير.
النقطة الأولى أنه على الرغم من العلاقات التقليدية مع الصين، فإن البلدين يراقبان بعضهما البعض بحذر. وقد سبق لي أن قمتُ بعدة زيارات إلى عاصمتي البلدين والتقيت بمسؤولين وصناع سياسات. وأستطيع أن أقول إن الشعور بالارتياب العميق والمتبادل ملموس. فالعديد من الصينيين ينظرون إلى جارتهم كوريا الشمالية على أنها متخلفة وينزعجون من سلوكها المزعزع للاستقرار. 
أما النقطة الثانية، فهي طموحات كيم الاقتصادية. ففي مقابل كل خطاب يتحدث فيه عن الأسلحة النووية، يتحدث كيم باستفاضة عن الحالة المتردية لاقتصاد بلاده واعداً بتحسينها. ويذكر هنا أن احتمال رفع العقوبات الاقتصادية التي تقودها الولايات المتحدة هو الذي أقنعه بالقيام برحلة بالقطار لمدة 60 ساعة من بيونغ يانغ إلى هانوي من أجل لقاء الرئيس ترامب في قمتهما الثانية عام 2019. فقد عرض بشكل واضح وصريح تفكيكَ مجمّع الأسلحة النووية الرئيسي، لكن ترامب طالب كوريا الشمالية أيضاً بتسليم كل أسلحتها وموادها ومنشآتها النووية، فانهارت المحادثات. ثم بدا أن ترامب فقد الاهتمام بالتعامل مع كيم. وهكذا ضاعت فرصة نادرة، مما جعل كيم يشعر بالغصة.
والواقع أن مفتاح أي مبادرة جديدة مع كوريا الشمالية يكمن في كيفية صياغتها. ولا شك في أن البيت الأبيض لن يعجبه سماع هذا الأمر، لكن النجاح سيتوقف على انخراط تام من قبل بايدن في هذه الجهود، وذلك من خلال تعيين مبعوث جديد للبيت الأبيض بوزن شخص مثل جون كيري، مثلاً، والإعلان عن سياسة شاملة بخصوص كوريا الشمالية ومراجعة استخباراتية. إن الرئيس هو وحده القادر على التواصل مع كيم، وكيم هو الوحيد القادر على تغيير سياسة كوريا الشمالية.
كما سيحتاج بايدن إلى استخدام لغة مختلفة تماماً في صياغة عرض جديد في محاولة لتحسين العلاقات ومساعدة اقتصاد كوريا الشمالية - وليس لنزع السلاح النووي من بلد أصدر في 2022 قانوناً يعلن نفسَه دولةً تمتلك السلاح النووي. صحيح أنه سيكون من الصعب على أميركا تقبّل هذه الحقيقة على اعتبار أن نزع السلاح النووي كان مبدأ موجِّهاً للسياسة الأميركية تجاه كوريا الشمالية على مدى عقود، غير أنه من غير الواقعي التظاهر بأن بيونغ يانغ ستتخلى عن أسلحتها النووية قريباً. ويمكن أن يظل نزع السلاح النووي هدفاً على المدى البعيد، لكنه سيكون مستحيلا إذا لم يتحاور الطرفان.
«الجمهوريون» قد يتهمون الرئيس بايدن بالاسترضاء والتهدئة من خلال التعامل مع كيم، والحال أن ذلك بالضبط ما حاول ترامب القيامَ به. وبالمثل، فقد يخطئ كيم فيؤول الجرأة على أنها ضعف. غير أنه سيكون من السهل على الولايات المتحدة الانسحاب من الخيار الدبلوماسي إذا لم يحقق أي تقدم.
وفي الختام، على الولايات المتحدة أن تتحلى بالواقعية. فالعالم اليوم مختلف جداً عما كان عليه عندما اجتمعت الولايات المتحدة والصين وروسيا واليابان والكوريتان في العقد الأول من الألفية الحالية بهدف عقد مفاوضات لتجريد كوريا الشمالية من السلاح النووي. فقد أصبح ذلك البلد الآن قوةً نووية هائلة، وزعيمه يبدو ميالا للقتال بشكل متزايد. ولهذا، يجدر بالرئيس الأميركي تحريك عجلة الدبلوماسية قبل فوات الأوان.

ينشر بترتيب خاص مع خدمة «نيويورك تايمز»