الشهر الماضي، قبيل أكبر مناورات عسكرية يجريها حلف «الناتو» منذ الحرب الباردة، سُئل أحد كبار القادة العسكريين الأوروبيين عما قد يحدث في حال انسحبت الولايات المتحدة من التحالف، مثلما قد يفعل المرشح «الجمهوري» للرئاسة الأميركية دونالد ترامب.

فقال الجنرال الألماني «غونار بروغنر»، الذي يقود المناورات التدريبية للقيادة العليا لقوات الحلفاء في أوروبا التابعة لحلف «الناتو»: «ليس لدي أي شك على الإطلاق في التزام أكبر حلفائنا». الثقة في موثوقية أميركا العسكرية تظل التوقع والافتراض العام لحلف «الناتو» وحجر الأساس الذي يقوم عليه، غير أنه بالنظر إلى تذبذب الدعم الغربي لأوكرانيا والانتخابات الأميركية غير الأكيدة، يستخدم الحلف هذه المناورات الحربية لاستكشاف نقاط الضعف ومعالجتها.

ويقول محللون إن هذه خطوات مهمة لتعزيز مصداقية الحلف الذي قد يضطر يوماً ما للبقاء دون دعم الولايات المتحدة. في وقت سابق من هذا الشهر، في بلدة بولندية صغيرة جنوب غدانسك، عبرت موجات من الدبابات من فرنسا وألمانيا وإسبانيا وتركيا، من بين دول أعضاء أخرى، نهر فيستولا، الذي يعد أطول نهر في بولندا، باستخدام جسور عائمة بهدف اختبار مدى قدرة التحالف على إرسال تعزيزات إلى الشرق بسرعة في حالة حدوث تطورات تستدعي التدخل.

وقال الجنرال الأميركي راندولف ستودينراوس، المتخصص في عمليات «الناتو»، وهو يتابع المشهد من على ضفة النهر: «لقد رفع حلف الناتو من مستوى تدريباته ليقول:«كيف يمكننا أن نتحد أكثر؟ كيف نستفيد من الدروس التي كنا نتحدث عنها ونفهم التحديات؟ إننا نريد أن نكون قوة قتالية أفضل». ومن جانبهم، يتخذ قادة الاتحاد الأوروبي أيضاً خطوات، إزاء بعض الشكوك الجدية، ليؤكدوا أن بإمكانهم الدفاع عن أنفسهم من دون مساعدة الولايات المتحدة -- إن لزم الأمر. والسؤال، حسب محللين، هو ما إن كانت هذه الخطوات ستكون كافية؟.

مثل هذه الأسئلة تصاعدت بعد تجمع انتخابي بولاية كارولاينا الجنوبية الشهر الماضي، حينما أعلن ترامب أنه سيترك روسيا «تفعل ما تشاء» بأعضاء الناتو المتأخرين «في دفع مستحقاتهم، مضيفاً: لن أحميكم». تصريحات ذكرت الجميع بمصدر توتر مستمر في العلاقات العابرة للأطلسي: فرغم أن أميركا ودول أوروبا الشرقية لطالما ضغطت على حلفائها في «الناتو» للمساهمة في الإنفاق الدفاعي بنسبة 2 في المئة كحد أدنى من ناتجها المحلي الإجمالي، إلا أنه بنهاية 2023، لم يحقق هذا الهدف سوى 11 عضواً فقط من أصل 31 عضواً.

مسؤولو «الناتو» يلفتون إلى أن 7 بلدان أخرى ستصل إلى نسبة 2 في المئة في 2024. كما يشيرون إلى أن النفقات العسكرية الأوروبية الإجمالية وصلت إلى مستوى قياسي بلغ 295 مليار دولار العام الماضي.

وفي الأثناء، يعمل مسؤولو الاتحاد الأوروبي على تعزيز الموقف العسكري العام للقارة، بعد أن كشفت المواجهات العسكرية في أوكرانيا «ثغرات كبيرة في القدرات» داخل صناعة الدفاع الأوروبية، بما في ذلك في أساسيات مثل إنتاج الذخيرة، كما تقول صوفيا بِش، زميلة البرنامج الأوروبي في «مؤسسة كارنيجي للسلام الدولي».

ففي يناير الماضي، مثلاً، اعترف الاتحاد الأوروبي بأنه لن يكون قادراً على تحقيق سوى 50 في المئة تقريباً مما كان قد تعهد به العام الماضي حين وعد بإرسال مليون طلقة مدفعية إلى أوكرانيا بحلول مارس – وهو ما مثّل ضربة للثقة في التعاون الأوروبي. وفي هذا الصدد، قال رئيس الدبلوماسية الأوروبية جوزيب بوريل إن الذخيرة ستكون جاهزة بحلول نهاية العام، مضيفاً أن تعزيز صناعة الدفاع في الاتحاد الأوروبي «عمل متواصل».

وفي محاولة لتسريع هذا العمل، أصدرت المفوضية الأوروبية في وقت سابق من هذا الشهر أول استراتيجية صناعية دفاعية في تاريخها. وقالت بِش في نقاش بمعهد بروكينجز في واشنطن الأسبوع الماضي، إن الهدف هو الاستفادة من المنافع الاقتصادية التي تأتي مع التعاون -- الشراء بالجملة، والشراء معا، وشراء المنتجات المصنوعة في أوروبا – على غرار ما فعل الاتحاد الأوروبي خلال جائحة «كوفيد- 19»، ولكن المشكلة هي أن قادة الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي كثيراً ما يميلون إلى استخدام ميزانياتهم الدفاعية لتعزيز الحمائية والمصالح السياسية الوطنية -- وهي أهداف قد تبدو في الوقت الراهن أكثر إلحاحاً من زيادة كفاءة الإنتاج داخل الاتحاد.

خطة الاتحاد الأوروبي تأثرت سلباً أيضاً بخطوات مثل شراء دول أوروبية مثل بولندا -- التي تنفق ما يزيد عن 3 في المئة من ناتجها المحلي الإجمالي على الدفاع -- لمبلغ «مذهل» يعادل 120 مليار دولار من الأسلحة من مقاولين أميركيين في مجال الدفاع، كما يقول نيك ويتني، زميل السياسات في المجلس الأوروبي للعلاقات الخارجية.

هذا الإنفاق الضخم، يضيف ويتني، هو في جزء منه عبارة عن صفقات ثنائية تهدف لكسب ود ترامب في حال فوزه في الانتخابات الرئاسية. ومن جانبها، لطالما شجعت الولايات المتحدة هذه المشتريات لتعزيز صناعة الأسلحة الأميركية، وتعزيز الاعتماد الأوروبي على واشنطن -- والخضوع لها، كما يقول راجان مينون، مدير برنامج الاستراتيجية الكبرى في مؤسسة «أولويات الدفاع»، وهي مؤسسة بحثية تدعو إلى سياسة خارجية أميركية أكثر اعتدالاً.

وما زالت هناك أسئلة مهمة حول كيف لمظلة ردع نووي أن تعمل من دون الولايات المتحدة، ولكن بالنظر إلى الفوز المحتمل لترامب، سيكون من الحكمة أن تتدبر أوروبا موقفها الدفاعي العام، وأن تسعى في الوقت نفسه إلى تعزيز قوتها العسكرية الجماعية عاجلاً وليس آجلاً. يقول الدكتور مينون: «يجب أن يكون لدى أوروبا الوسائل للدفاع عن نفسها، تحسباً لغياب المساعدة الأميركية».

*كاتبة متخصصة في الشؤون الخارجية

ينشر بترتيب خاص مع خدمة «كريستيان ساينس موينتور»