منذ أوائل العقد الأول من القرن الـ21، كان معظم الأميركيين بشكل عام غير راضين عن الاقتصاد، والعديد منهم غير واثقين من مكانهم فيه. وبلغ الاستياء ذروته خلال فترة الركود بين عامي 2007 و2009. لكن الاستياء لا يزال مستمراً، حتى مع نمو الاقتصاد وبقاء معدلات البطالة والتضخم تقريباً في المستوى ذاته الذي كانت عليه خلال الأيام المتفائلة نسبياً لإدارة كينيدي. هذا استياء عنيد وطويل الأمد.
وعلى النقيض من الاستياء الاقتصادي قصير الأجل، والذي يفسح المجال للتلاعب بأسعار الفائدة والمفاضلات المتعلقة بالميزانية، فإن الاستياء على المدى البعيد يشير إلى مشكلة هيكلية أعمق في الاقتصاد وتتطلب اتخاذ تدابير أكثر جذريةً. ولعل الإنجاز المميز لإدارة جو بايدن هو إدراكها لهذه المشكلة على وجه التحديد، أي الطبيعة المركزية وغير المتوازنة بشكل متزايد للقوة الاقتصادية في الولايات المتحدة على مدى العقود الأربعة الماضية ومحاولة معالجتها.
لكن هذه الحكمة السياسية تمثل تحدياً سياسياً، ذلك أن استراتيجية الإدارة جريئة وبعيدة المدى على نحو غير تقليدي فهي محاولة لاستبدال الشكل السام للرأسمالية اليوم بنموذج سابق وأكثر عدالة للمشاريع الحرة. وإذا نظرنا إلى هذه الاستراتيجية من خلال العدسة الضيقة للفكر الاقتصادي التقليدي، فمن السهل أن يُساء فهمها أو التغاضي عنها، وربما بشكل خاص من قِبَل حلفائها المحتملين في الوسط السياسي وعلى يسار الوسط. ومن ذلك مثلاً أن المناقشات الاقتصادية المألوفة بين اليسار واليمين اليوم، والتي يفوز فيها اليسار عن طريق فرض الضرائب والإنفاق، ويفوز اليمين عن طريق خفض الضرائب، لا علاقة لها بالرؤية الأكثر طموحاً لإدارة بايدن.
إن الأميركيين بحاجة ماسة إلى اقتصاد مختلف تماماً وأكثر عدالة، وبايدن يعمل على منحهم هذا الاقتصاد. والتحدي الملح، من الناحية السياسية، هو مساعدة الناخبين على فهم ذلك.
ولتقدير حداثة النهج الذي تبنته إدارة بايدن في التعامل مع الاقتصاد، يجدر بنا أن نتذكر أن عقيدةَ يسار الوسط على مدى السنوات الأربعين الماضية كانت عبارة عن استراتيجية «الضريبة والتحويل». وكان ذلك يعني التسامح، أو حتى تشجيع الشركات على الاندماج وتحقيق الأرباح، مع الحفاظ على التوقعات بإعادة توزيع تلك الأرباح لخدمة الفئات الأقل قوة والأقل ثراءً. وتشير الاستعارة الشائعة للكعكة الوطنية إلى التركيز أولاً على إعداد الكعكة ثم تقسيمها بشكل عادل.
وكان هذا المنطق مفضلاً لدى أولئك الذين يدافعون عن إلغاء القيود التنظيمية وخفض الضرائب منذ ثمانينيات القرن العشرين. كما تم استخدامه على نطاق واسع للترويج لمنظمة التجارة العالمية وسياسات التجارة الحرة: كانت الفكرة هي استخدام الأرباح المتزايدة لتعويض العمال المفصولين في وقت لاحق. واليوم يسمح نفس التفكير بعمليات الاندماج بين شركات بطاقات الائتمان مثل «ديسكفر» و«كابيتال وان»، فحتى لو فرضت هذه الشركات أسعاراً ورسوماً أعلى، فسيكون بوسعنا دائماً إعادة توزيع الأرباح في وقت لاحق.
والمشكلة هي أن «هذا الوقت اللاحق» لا يبدو أنه سيأتي أبداً. لقد كانت استعارة الكعكة مضللة دائماً: يجب تقسيم الكعكة الفعلية قبل تناولها. لكن أرباح الشركات ليست كذلك، فهي تذهب مباشرة إلى المالكين والمديرين، وعادة ما تظل هناك. إن إعادةَ توزيع الأرباح تتطلب انتزاعَ الأموال من بعض الأيادي القوية للغاية، أي الأيادي التي تصبح أقوى كلما زادت ثرواتها. وفي النظام السياسي الذي يتحدث فيه المال، نادراً ما يتم تقسيم الكعكة.
وتسعى إدارة بايدن، في انفصالها عن عقيدة يسار الوسط، إلى معالجة عدم المساواة الاقتصادية ليس من خلال الضرائب والتحويلات ولكن من خلال السياسات التي تسمح لعدد أكبر من الأشخاص والشركات بكسب الثروة في المقام الأول. وهذا هو معنى العبارة الليبرالية الغامضة إلى حد ما «النمو من الوسط إلى الخارج». والهدف ليس إعادة التوزيع، بل «التوزيع المسبق» للثروة، على حد تعبير عالم السياسة «جاكوب هاكر».
ويدعو هذا النهج إلى نوع مختلف من الرأسمالية، نوع يعارض مركزيةَ القوة الاقتصادية ويفضل السوقَ التي يمكن فيها للناس والشركات تحقيق الثروة في مجموعة أوسع من المناطق الجغرافية، المستمدة من مجموعة واسعة من الطبقات الاجتماعية وإشراك مجموعة أكثر تنوعاً من الصناعات.
على مدى السنوات الثلاث الماضية لإدارة بايدن، يمكنك رؤية هذه الفلسفة تعمل في مجالات قد تبدو مختلفة. فهي أساس حملة وزارة العدل المستمرة لمكافحة الاحتكار على غرار «الصفقة الجديدة»، والتي منعت العشرات من عمليات الاندماج غير الحكيمة (مثل الاستحواذ المقترح مؤخراً على شركة «سبيريت إيرلاينز» من قبل شركة «جيت بلو إيروايز»). وهي تعزز دعم بايدن المتجدد للعمل المنظم بالإضافة إلى سياسته التجارية التي تركز على العمال والنهج القتالي المتزايد تجاه التهديد الاقتصادي الذي تشكله الصين. وتفسر هذه الفلسفة إعادة تنشيط السياسة الصناعية في الكابيتول هيل، وعلى الأخص من خلال دعم التصنيع الإقليمي مثل مصانع أشباه الموصلات الضخمة التي تبنيها شركة تايوان لتصنيع أشباه الموصلات في أريزونا. كما أنها تشكل أساسَ حملة الإدارة ضد «الرسوم غير المرغوب فيها»، بما في ذلك إنشاء قاعدة جديدة تحد من الرسوم المتأخرة لبطاقات الائتمان من شأنها أن توفر للأميركيين ما يقدر بنحو 10 مليارات دولار سنوياً.
وعادة ما تتم مناقشة هذه الجهود وفهمها بشكل منفصل، لكنها تشترك في منطق أساسي: فكلها تهدف إلى تسوية الاختلال في توازن القوة الاقتصادية، وكلها تفترض أن الاقتصاد يعمل بشكل أفضل بالنسبة لأغلب الأميركيين عندما يكون أكثر قدرةً على المنافسة وحين يتم توزيع قوة الكسب على نطاق أوسع.
لتحقيق الفوز في انتخابات عام 2024، يحتاج بايدن إلى إقناع الناخبين بأنه بدأ معركةً طويلة ضد الشكل السام للرأسمالية اليوم. وهو يريدهم أن يفهموا أنه يجعل الاقتصاد أكثر عدالة وإنتاجية. إنه بحاجة إلى توضيح أن استحضار دونالد ترامب للمظالم الاقتصادية حقيقي ومبرر، لكن على عكس ترامب -الذي استخدم تلك المظالم لتغذية السياسات القبْلية بينما يوزع تخفيضات ضريبية على الشركات وغيرها من الهبات للأصدقاء والمانحين الأثرياء- فإنه في الواقع يفعل شيئاً ما حيال ذلك.

تيم وو
أستاذ القانون في جامعة كولومبيا

ينشر بترتيب خاص مع خدمة «نيويورك تايمز»