بول كروجمان

حلّت مؤخراً الذكرى الرابعة عشر لسن «قانون حماية المريض والرعاية الصحية الرخيصة»، المعروف أيضاً بـ«قانون الرعاية الرخيصة»، والمعروف أيضاً بـ«أوباماكير» – وإن كانت العديد من أحكام القانون لم تدخل حيز التنفيذ إلا في 2014. خلال سنواته الأولى، كان قانون «أوباماكير» موضع انتقاد شديد من كل من اليسار واليمين. والواقع أن السياسيين من اليمين ما زالوا يقولون الأشياء نفسها التي قالوها قبل عقد من الزمان، مدّعين أن تنبؤاتهم بالفشل لم تفنّدها الأحداث.

ولكن قانون «أوباماكير» نجا وصمد، ووسّع بشكل كبير نطاقَ تغطية التأمين الصحي من دون أن يؤدي ذلك إلى انهيار الميزانية. في حين يشتكي المنتقدون من اليسار من أنه لم يوفر رعاية صحية شاملة حقاً، وهو ما لم يحدث بالفعل. ولكنه حقق الكثير وأصبح يتمتع بشعبية كبيرة.

ولكن، لماذا نجح قانون «أوباماكير» بالطريقة التي نجح بها؟ الواقع أن الانتقادات الموجهة لـ«أوباماكير» من اليسار في محلها. ذلك أنه إذا كان هدفك هو منح الناس إمكانية الوصول إلى الرعاية الصحية، فلماذا لا تمنحهم إمكانية الوصول إليها، من خلال إنشاء نظام دفع واحد تسدّد فيه الحكومة الفواتير؟ والواقع أن هذا هو ما فعلناه لكبار السن عندما أُنشئ برنامج «ميديكير» في الستينيات. غير أن «قانون الرعاية الصحية الرخيصة» أنشأ نظاماً معقداً يتعين فيه على الناس شراء تأمينهم الصحي الخاص، وإن كانت الحكومة هي التي تتحمل في كثير من الأحيان الجزء الأكبر من التكاليف. ثم إن تعقيد النظام، بالإضافة إلى حقيقة أن أجزاء مهمة منه تديرها حكومات الولايات، التي يسيطر على بعضها محافظون يرغبون في فشل «أوباماكير»، معناه أن الكثير من الناس لا يستفيدون من البرنامج على النحو المفترض: 8 في المئة من سكان الولايات المتحدة ما زالوا من دون تأمين، وإن كان هذا أفضل بكثير من الوضع الذي كان سائداً قبل «قانون التأمين الصحي الرخيص». ولكن، لماذا إذن لم نذهب إلى نظام دفع واحد؟ السبب هو: السياسة. فالأمر لم يكن يتعلق فقط بشراء قطاع التأمين عبر إبقائه في قلب الرعاية الصحية الأميركية، وإن كان ذلك جزءاً منه.

والأهم من ذلك، في تقديري، هو الحاجة المتصوَّرة لتجنب إزعاج الأميركيين السعداء بتغطيتهم الصحية الحالية، ومعظمهم يحصلون على التأمين الصحي عن طريق المشغِّل. وعوضاً عن إصلاح نظام التأمين الصحي كله، سعى «أوباماكير» إلى سدّ الثغرات في نظامنا عبر إضافة أشياء جديدة، وحاول بشكل خاص إنشاء سوق عمل يستطيع فيها الأفراد غير المشمولين بالتأمين الصحي من قبل مشغِّليهم إيجاد تأمين صحي رخيص. الكثيرون توقعوا فشل هذا الجهد، وخاصة من اليمين. لا أريد هنا التعمق كثيراً في التفاصيل، ولكن «قانون الرعاية الصحية الرخيصة» منع شركات التأمين من رفض التغطية أو فرض أقساط تأمين أعلى على الأشخاص الذين يعانون من حالات طبية موجودة مسبقاً.

والحال أن هذا النوع من التنظيم يمكن أن يتسبب في «دوامة موت»: عدد قليل جداً من الأشخاص الأصحاء يشترون التأمين الصحي، وبالتالي فإن مجموعة المخاطر تزداد سوءًا، مما يؤدي إلى ارتفاع أقساط التأمين، الأمر الذي يؤدي إلى استبعاد مزيد من الأشخاص الأصحاء نسبياً، وهكذا. في البداية، كان «قانون الرعاية الصحية الرخيصة» يشتمل على «تفويض» -- عقوبة على الأميركيين الذين ليس لديهم تأمين -- غير أنه من غير الواضح مدى فعالية تفويض التأمين على الإطلاق، وقد ألغى «الجمهوريون» العقوبة في 2017. ومع ذلك، فإن برنامج «أوباماكير» لم ينهر. فلماذا لم ينهر؟ إليكم كيف أصفُ الأمر باختصار: لقد اشتغل قانون «أوباماكير» عملياً مثل نظام الدفع الواحد في نهاية المطاف --ومثل هذه الأنظمة لا تخضع لـ«دوامة الموت». بعد فترة قصيرة من توليه منصبه في 2017، قال دونالد ترامب، إن «أفضل شيء من الناحية السياسية هو ترك «أوباماكير ينفجر».

ولئن كانت محاولته إلغاء القانون باءت بالفشل، فإن إدارته انخرطت في أعمال تخريبية، وحاولت بالفعل خلق «دوامة موت» تؤدي إلى انهيار البرنامج. ولكن الدعم أحبط هذه الخطة. وفي 2019، سألتُ نانسي بيلوسي عن كيفية تفاعل السياسيين من أمثالها مع خبراء السياسة الأذكياء الذين ابتكروا مثل هذا النظام القوي، فأجابتني قائلة: «إنني إحداهم».

لقد تحدى «أوباماكير» من تنبؤوا بفشل البرنامج إذن. ولكن ماذا عن التحذيرات من أنه سيكون مكلّفاً على نحو غير مستدام؟ الواقع أن الإنفاق الفيدرالي على الرعاية الصحية حالياً أقل بكثير مما توقعه «مكتب الميزانية» التابع للكونجرس قبل دخول «قانون الرعاية الصحية الرخيصة» حيز التنفيذ، رغم توسع التغطية. فكيف تأتي ذلك؟ جزء من الجواب هو أنه قبل دخول برنامج «أوباماكير» حيز التنفيذ، كان غير المؤمَّن عليهم في أميركا يتألفون بشكل غير متناسب من البالغين الشباب نسبياً -- والتكاليف الصحية للشباب، في المتوسط، أقل بكثير من تكاليف كبار السن (الذين كانوا مشمولين أصلاً ببرنامج «ميديكير»).

وبالتالي، فإن تغطية العديد من غير المؤمَّن عليهم لم تكن ستكلّف الكثير، إلا إذا كان تصميم السياسة يعاني عيوباً كبيرة، وهو ما لم يكن يعانيها. وعلاوة على ذلك، تزامن سن «قانون الرعاية الصحية الرخيصة» مع تباطؤ مستمر في نمو الإنفاق العام على الرعاية الصحية. وعلى كل حال، لقد نجح برنامج «أوباماكير».

صحيح أنه لم يوفّر تغطية شاملة، لكنه وفّر التأمين الصحي لملايين الأميركيين، الذين كان بعضهم في أمس الحاجة إلى شبكة الأمان تلك -- وقد فعل ذلك دون التسبب في انهيار الميزانية. كما تأكد خطأ التنبؤات بأن «قانون الرعاية الصحية الرخيصة» سيكون غير عملي وغير قابل للتطبيق. وفي هذه المرحلة، يمكن القول، إن التهديد الخطير الوحيد الذي يواجهه البرنامج -- وهو تهديد جدي على كل حال -- سياسي: وعليه، فربما يجدر بالأشخاص الذين ظلوا يصرون، خطأ، على أن الإصلاح الصحي سيموت من تلقاء نفسه أن يتدخلوا ببساطة للإجهاز عليه.

*كاتب وأكاديمي حائز على جائزة نوبل في الاقتصاد.

ينشر بترتيب خاص مع خدمة «نيويورك تايمز»