لطالما كانت الأرضُ محوريةً بالنسبة للهوية الوطنية الفلسطينية. وقد تعلمتُ هذا الدرسَ عام 1971 عندما قضيتُ بعضَ الوقت في مخيمات اللاجئين الفلسطينيين في لبنان والأردن أجمع قصصَ الناس عن النكبة. كانت ذكرياتهم عن المنازل والأراضي التي تركوها وراءَهم، وشوقهم العميق للعودة، وتصميمهم على الحفاظ على ثقافة قريتهم.. كلها حية ومؤثرة للغاية. وأصبح الارتباط القوي بين الفلسطينيين وأرضهم أكثر وضوحاً عندما تعرفتُ على أعمال بعض الشعراء الفلسطينيين الكبار مثل توفيق زياد ومحمود درويش أو الفنانين الفلسطينيين مثل إسماعيل شموط وكمال بلاطة.. وتعلمتُ منها. إذ إن الصور التي صنعوها والمشاعر التي أثاروها ألهمت الأجيالَ.
يمكنك معرفة المزيد عن الأشخاص من خلال الأغاني التي يغنونها، أو القصص التي يروونها، أو الفن الذي يحبونه، أكثر مما يمكنك من خلال الخطب السياسية لقادتهم. في كل هذه الأشكال من الثقافة الشعبية الفلسطينية، يلوح الارتباط بالأرض بشكل كبير. وسيتذكّر اللاجئون الفلسطينيون ديارَ أجدادهم. وأولئك الذين صادر الإسرائيليون أراضيهم سيتذكرون بساطةَ الحياة في قريتهم. والأرضُ التي كانوا يرعونها هي المكان الذي دُفن فيه تاريخهم في انتظار ربيع جديد يولدون فيه مجدداً. وباختصار، فإن حياتهم الماضية، وأحزانهم الحالية، وآمالهم في المستقبل مرتبطة بتمسكهم بأرضهم.
ونظراً لهذا، فلا ينبغي أن يكون مفاجئاً أن يصبح «يوم الأرض» (أو يوم الدفاع عن الأرض) في غاية الأهمية بالنسبة للفلسطينيين في جميع أنحاء العالم.
إن تاريخ هذا اليوم مهم؛ فقد تمت الدعوةُ للاحتفال بيوم الأرض لأول مرة في عام 1976 رداً على خطط الحكومة الإسرائيلية للسيطرة على أجزاء واسعة من منطقة الجليل. وكانت هذه الممارسة المتمثلة في الاستيلاء على الأراضي المملوكة للعرب أسلوبَ عملٍ إسرائيلي منذ الأربعينيات. وفي العقود الثلاثة التي سبقت عام 1976، أرست إسرائيل الأساس لدولتها الوليدة من خلال مصادرة مليون ونصف مليون فدان من الأراضي المملوكة للعرب، وهدم نحو 500 قرية فلسطينية طُرد منها معظم السكان العرب خلال نكبة عام 1948.
وخلال تلك العقود الثلاثة واجه المواطنون الفلسطينيون في إسرائيل صعوبات كبيرة أخرى. لقد خرجوا من حرب عام 1948 مصدومين من أهوال النكبة التي أُجبر خلالها الكثير من عوائلهم على الفرار، ومات كثيرون آخرون، وتم الاستيلاء على جزء كبير من أراضيهم ومنازلهم وأعمالهم التجارية. وفي أعقاب الحرب، تعرّض هؤلاء الفلسطينيون لقوانين الدفاع التقييدية وحالات الطوارئ، والتي فرضت الحكومة الإسرائيلية بموجبها حظر التجول والعقاب الجماعي والاحتجاز من دون تهمة. ورغم أنهم مواطنو إسرائيليون اسمياً، فإنهم كانوا يعيشون في الواقع تحت الاحتلال في بلدهم.  
ورغم الصعوبات المفروضة عليهم، فقد نمت ثقة المواطنين الفلسطينيين الذين يعيشون في إسرائيل بأنفسهم، ونمت قدراتهم السياسية، وازداد تعلُّقهم بهويتهم العربية والفلسطينية، وانضموا إلى الأحزاب السياسية الإسرائيلية، كما ترشحوا وفازوا بمناصب انتخابية في البلدات والقرى العربية، ونظموا أنفسَهم دفاعاً عن حقوقهم. لكن عندما أعلنت الحكومة في عام 1976 عن خطط لإصدار أوامر جديدة لمصادرة الأراضي في الجليل، كانت هذه هي «القشة التي قصمت ظهر البعير»، وكان رد فعلهم هو التخطيط لإضراب عام واسع النطاق ولمسيرة احتجاجية بغية القول «كفى!». ورداً على ذلك أعلن الإسرائيليون أن الاحتجاجات غير قانونية. لكن عشرات الآلاف أضربوا وساروا سلمياً. وشاب هذا اليوم رد فعل إسرائيلي عنيف أدى إلى مقتل ستة مواطنين فلسطينيين وإصابة أكثر من 100 آخرين. وهو ما أثار غضباً ليس فقط في أوساط المجتمع الفلسطيني في إسرائيل، بل أيضاً بين الفلسطينيين في الأراضي المحتلة عام 1967 وأولئك الذين يعيشون في الشتات.
ومنذ عام 1976، أصبح الفلسطينيون ينظمون احتجاجات «يوم الأرض» في الـ30 مارس من كل عام، داخل فلسطين وخارجها، للإعراب عن الارتباط بأرضهم وعن تصميمهم على إعادة بناء مجتمعهم الوطني.
وهذا العام، صادفت ذكرى يوم الأرض الفلسطيني (30 مارس) يوم السبت الذي يقع بين الأيام المقدسة لدى المسيحيين، الجمعة العظيمة وأحد عيد الفصح. إن تقارب هذه الأيام الثلاثة بمثابة تذكير بالموضوعات التي تثيرها مكونات أساسية للهوية الوطنية الفلسطينية: الصمود والتمسك بالأرض، والإيمان بوعد الولادة من جديد.


*رئيس المعهد العربي الأميركي- واشنطن