في غفلة من الجميع، قد تكون الولايات المتحدة على وشك بلوغ مرحلة تاريخية فارقة في بنية الأسرة، مرحلة قد تؤثّر في صحتنا وثروتنا وسعادتنا.
من الناحية التاريخية، كان معظم البالغين الأميركيين متزوجين - أكثر من الثلثين في 1970. ولكن نسبة المتزوجين تراجعت، وبات نصف البالغين فقط متزوجين اليوم. بل ربما نكون قد دخلنا بالفعل في حقبة حيث الأغلبية غير متزوجة.
وفي هذا الإطار، يقول براد ويلكوكس، وهو عالم اجتماع يدير «المشروع الوطني للزواج» في جامعة فيرجينيا، في كتابه الجديد «الزواج»: «إن حضارتنا تعيش تحولاً تاريخياً بعيداً عن الزواج»، مضيفاً: «فعوضاً عن الزواج، يظل العديد من الأميركيين عازبين أو يكتفون بالعيش معاً من دون رابطة الزواج. والأكيد أن الأمر يتعلق بالأولى أكثر من الثانية».
ويعتقد «ويلكوكس» أن ثلث الشباب الأميركي اليوم ربما لن يتزوجوا أبداً. وباعتباري متزوجاً منذ فترة طويلة، أجد هذا الأمر مدعاة للقلق، ولكنه قلق لا يعزى فقط إلى مجرد مواقف عاطفية، إذ تشير بيانات استطلاعات الرأي إلى أن المتزوجين، في المتوسط، يتحدثون عن شعورهم بسعادة أكبر، ويبنون ثروة أكبر، ويعيشون لفترة أطول، وينشئون أطفالاً أكثر نجاحاً من الآباء العازبين أو المتعايشين، على الرغم من وجود استثناءات كثيرة.
ويقول ويلكوكس: «إن معالجة المعضلات التي تعاني منها أميركا تبدأ بتجديد الزواج والحياة الأسرية، وخاصة في الطبقتين الفقيرة والعاملة حيث نسيج الأسرة هو الأضعف».
والواقع أن بعض النساء احتفلن أيضاً بتحرير أنفسهن من مؤسسة غالباً ما كانت تكبّلهن بالطبخ والغسيل ووضع المرتبة الثانية على حساب حياتهن المهنية. ومع تمتع النساء بمزيد من الفرص الاقتصادية، لم يعدن مجبرات في كثير من الأحيان على الزواج من شخص أحمق، وعلى كل حال، من هي هذه المرأة التي تحترم نفسها ولديها إمكانيات مستقلة والتي قد ترغب في الزواج من أحد هؤلاء؟
ولكن حتى مع تراجع الزواج، هناك أدلة متزايدة على أنه رغم أنه قد لا يكون مناسباً للجميع، إلا أنه يمكنه في كثير من الحالات أن يحسّن حياتنا أكثر مما نعتقد.
وفي هذا الصدد، كتب ويلكوكس يقول: «إن الزواج يمنح السعادة أفضل من التعليم والعمل والمال». وعلى سبيل المثال، تشير بيانات استطلاعات الرأي إلى أن الحصول على شهادة جامعية يزيد من احتمالات وصف المرء لنفسه بأنه «سعيد جداً» بنسبة 64 في المئة، بينما يرفع الحصول على زيادة في الدخل الثابت احتمالات وصف المرء لنفسه بأنه «سعيد جداً» بـ 88 في المئة. وأن يكون المرء «راضياً جداً» عن وظيفته يرفع الاحتمالات بنسبة 145 في المئة. أما الزواج، فإنه يزيد من احتمالات أن يكون المرء سعيداً جداً بنسبة 151 في المئة - في حين أن الزواج «السعيد جداً» يرفع الاحتمالات بنسبة 545 في المئة.
والحقيقة أن الزواج لا يحلّ مشكلة الوحدة والعزلة الاجتماعية، ولكنه يساعد في حلها. وهناك أخبار جيدة على الصعيد الأسري: فقد انخفض معدل الطلاق إلى أدنى مستوى له منذ 50 عاماً، وازدادت نسبة الأطفال الذين ينشؤون في أسرة سليمة مع أبوين متزوجين زيادة طفيفة في السنوات الأخيرة، ذلك أن حوالي 51 في المئة من الأطفال الأميركيين يصلون اليوم إلى مرحلة البلوغ والرشد مع نفس الوالدين اللذين بدأوا معهما.
ولكن الصحيح أيضاً هو أن معدل الزواج قد تراجع، ولاسيما بالنسبة للأميركيين من الطبقة العاملة. ومن بين أولئك الذين لا يحملون شهادة الثانوية العامة، فإن أكثر من ثلثيهم غير متزوجين. وكتب «ويلكوكس» أن «القلب الأميركي أخذ ينغلق»، ولكنني ما كنتُ لأصف الأمر على هذا النحو، ذلك أنني أعتقد أن العديد من الأميركيين يرغبون في الزواج، ولكنهم لا يشعرون بأنهم مستقرون مالياً بما يكفي، أو أنهم لا يستطيعون العثور على الشخص المناسب.
وقد يكون أحد أسباب تراجع الزواج في مجتمعات الطبقة العاملة هو قلة الفرص الاقتصادية، وخاصة بالنسبة للرجال، وقد يكون من بين الأسباب أيضاً الثقافة وتغير الأعراف. وهذا أمر جدير بالتأمل. ففي استطلاعات الرأي، يبدو أن أغلبية الليبراليين المتعلمين في الجامعات غير متحمسين للزواج، ويرفضون انتقاد الخيانة الزوجية، ولا يوافقون على فكرة أن الأطفال يكونون أفضل حالاً بمعية والدين متزوجين. وربما غياب الحماس هذا من جانب الليبراليين للزواج يفسّر أيضاً «عقوبات» الزواج المضمنة في برامج إعانة مثل برنامج «ميديكيد»، والتي تثبّط بدورها الزواج بالنسبة للأميركيين من ذوي الدخل المنخفض.
وينتقد «ويلكوكس» النخب لتمسكها بالقيم التقليدية نفسها - بمعنى أنهم يتزوجون وينجبون أطفالاً في الغالب – رغم أنهم يمتنعون عن تأييد الزواج خوفاً من أن يبدوا متشددين أو غير متسامحين. ويقول إن النخب «تتحدث يساراً ولكنها تسير يميناً».
وخلاصة القول إننا حيوانات اجتماعية، كما قال أرسطو منذ أكثر من ألفي عام، وهذا ما زال صحيحاً. صحيح أن الأزواج يمكن أن يكونوا مزعجين أحياناً (كما قد تشهد زوجتي على ذلك)، ولكنهم يمكنهم أيضاً أن يملأونا بالحب ويربطونا بهدف يتجاوز أنفسنا. إنهم أفضل بما لا يقاس، بالنسبة لنا وللمجتمع، من عشّاق افتراضيين على أحد التطبيقات، ويبدو أن ذلك يستحق الاحتفاء بشكل واضح وصريح.

ينشر بترتيب خاص مع خدمة «نيويورك تايمز»