تميل التقنيات الجديدة إلى المفاجأة. على سبيل المثال، عندما تم تقديم أجهزة التلفاز الملونة في الخمسينيات، بدت وكأنها لن تنجح. فقد كانت الأجهزة باهظة الثمن، وكانت البرمجة نادرة، وبعد عقد من طرحها في السوق، لم يكن يقتنيها سوى عدد قليل من المنازل. وفجأة، انخفضت الأسعار، ونشبت حرب تصنيفات، وفي غضون سنوات قليلة فقط، كانت معظم الأسر الأميركية تشاهد مسلسل «ذا جيتسنز» The Jetsons على الأجهزة الجديدة.
ويجري حالياً تحول مماثل في السيارات الكهربائية، وفقاً لتحليل «بلومبيرج جرين» لمعدلات التبني في جميع أنحاء العالم. بحلول نهاية العام الماضي، كانت 31 دولة قد تجاوزت ما أصبح نقطة تحول محورية في مجال السيارات الكهربائية: عندما تكون 5% من مبيعات السيارات الجديدة لسيارات كهربائية فقط، فإن هذا المستوى يشير إلى بداية التبني الجماعي، وبعده تتطور التفضيلات التكنولوجية بسرعة.

عندما أكملنا هذا التحليل لأول مرة في عام 2022، كانت 19 دولة فقط قد تجاوزت نقطة التحول البالغة 5%. وفي العام الماضي، ارتفع هذا العدد مع انتشار المركبات الكهربائية عبر أربع قارات. ولأول مرة، تم العثور على بعض الأسواق الأسرع نمواً في أوروبا الشرقية وجنوب شرق آسيا. ويظهر المسار الذي رسمته البلدان التي سبقتها كيف يمكن أن ترتفع نسبة السيارات الكهربائية من 5% إلى 25% من السيارات الجديدة في أقل من أربع سنوات.
لماذا تعتبر نسبة الـ 5% مهمة؟
تتبع التقنيات الجديدة - من أجهزة التلفزيون إلى الساعات الذكية - منحنى تبنٍ على شكل حرف(S). إذ تتحرك المبيعات ببطء خلال مرحلة التبني المبكر، قبل الانضمام إلى موجة القبول السائد. ويتوقف التحول في كثير من الأحيان على التغلب على العوائق الأولية مثل التكلفة، ونقص البنية التحتية، وتشكك المستهلكين. تشير نقطة التحول إلى تسوية هذه الحواجز. وفي حين أن رحلة كل دولة إلى نسبة الـ 5% تتم بشكل مختلف، فإن الجداول الزمنية تتقارب في السنوات التالية.

يقول «كوري كانتور»، محلل السيارات الكهربائية في بلومبرج «إن إي إف»: «بمجرد حدوث مبيعات كافية، تكون لديك دورة قوية نوعاً ما. وظهور المزيد من السيارات الكهربائية يعني أن المزيد من الناس يعتبرونها سائدة، وأن صانعي السيارات أكثر استعداداً للاستثمار في السوق، وأن البنية التحتية للشحن تتوسع في مسار جيد».
لقد عبرت العديد من البلدان نقطة التحول في العام الماضي بطريقة مذهلة. وبرزت تايلاند كرائدة في مجال السيارات الكهربائية في جنوب شرق آسيا، حيث تجاوزت عتبة الـ 5% في الربع الأول من عام 2023 ثم ارتفعت إلى ما يقرب من 13% من مبيعات السيارات الجديدة بحلول الربع الأخير من العام. وقد تم تعزيز هذا التحول من خلال افتتاح أول مصنع محلي للسيارات الكهربائية في تايلاند، المملوك لشركة «جريت وول موتور» Great Wall Motor الصينية.
ونفس الأمر حدث في تركيا، الدولة التي كانت بالكاد على رادار اعتماد السيارات الكهربائية قبل عام. إذ عكست شركة السيارات التركية المعروفة باسم «توج» Togg الاتجاه بإطلاق أول سيارة تعمل بالبطارية - T10X - وهي سيارة دفع رباعي تتنافس بشكل مباشر مع طراز «واي» Y من شركة «تسلا». وقد حققت مبيعات سيارة «توج» الكهربائية وتيرة مذهلة. وفي الربع الثالث من العام، تجاوزت تركيا نقطة التحول البالغة 5%، وبحلول الربع الرابع أصبحت رابع أكبر سوق للسيارات الكهربائية في أوروبا.
في حين أن نهج الحصة السوقية تجاه نقاط التحول في السيارات الكهربائية يُظهر مدى السرعة التي يمكن أن يترسخ بها التحول إلى السيارات الكهربائية، إلا أنه لا يمنع حدوث تباطؤ أو انتكاسات من سنة إلى أخرى بسبب اضطرابات سلاسل التوريد والانكماش الاقتصادي والإفلاس والسياسة. يتوقع المحللون في «بلومبيرج إن إي إف» أن تزيد مبيعات السيارات الكهربائية والهجينة بالكامل بنسبة 22% هذا العام على مستوى العالم، بوتيرة أبطأ عن السنوات القليلة الماضية، على الرغم من عدم تغيير التوقعات طويلة المدى لاعتماد السيارات الكهربائية بشكل كبير.

أداء الولايات المتحدة ضعيف

لم تصل الولايات المتحدة إلى نقطة التحول (5%) حتى نهاية عام 2021، وهو وقت متأخر نسبياً لدولة تتمتع بنفوذها الاقتصادي. فقد كان السائقون الأميركيون يريدون مركبات كهربائية ذات نطاقات سفر أطول من الطرازات الأولى المعروضة، وكان تفضيل الولايات المتحدة للشاحنات الصغيرة وسيارات الدفع الرباعي الكبيرة يتطلب بطاريات أكبر مما تستطيع سلاسل التوريد الناشئة التعامل معه.
وبعد عامين من عبور نقطة التحول، لا تزال الولايات المتحدة متخلفة عن الدول التي سبقتها، حيث شكلت السيارات الكهربائية بالكامل 8.1% من مبيعات السيارات في الولايات المتحدة في الربع الأخير، وهو أقل بكثير من متوسط 18.1% في 20 دولة عند نفس النقطة على منحنى التبني. وكانت الدولة الوحيدة التي لديها حصة أقل من السيارات الكهربائية، في خلال عامين هي كوريا الجنوبية، وهي الدولة التي ينافس قلقها الولايات المتحدة.

لم تستغرق أي دولة حتى الآن أكثر من ثلاث سنوات للانتقال من نسبة الـ 5% إلى 15% من السيارات الكهربائية، مما يعني أن الولايات المتحدة وكوريا الجنوبية، إما ستخرجان عن هذا الاتجاه في عام 2024، أو ستتطلبان تسارعاً مفاجئاً في المبيعات للحاق بالركب.

في حين أن التحليل أعلاه يتعلق بالمركبات التي تعمل بالبطاريات فقط، فإن بعض البلدان، وخاصة في أوروبا، كانت أسرع في اعتماد السيارات الهجينة. وتخطت الولايات المتحدة في الغالب السيارات الهجينة، التي تحتوي على بطاريات أصغر حجماً مدعومة بمحرك يعمل بالبنزين، لكن شركات صناعة السيارات تتجه الآن إليها لمنع المواجهة المكلفة مع السيارات الكهربائية الرخيصة القادمة من الصين.

وبما أن السيارات الهجينة لا تتطلب نفس المستوى من البنية التحتية أو التزام المستهلك مثل السيارات الكهربائية بالكامل، فإن المرحلة الأولى من التبني يمكن أن تكون أكثر غرابة. لن يتم الوصول إلى نقطة تحول متناسبة لهذه الفئة الأوسع من المركبات الكهربائية حتى تكون 10% من المركبات الجديدة هجينة أو كهربائية بالكامل، وفقاً لتحليل بلومبرج جرين. ولم تتمكن الولايات المتحدة من تحقيق هذه النسبة، حيث بلغت حصتها في السوق 9.9% في النصف الثاني من 2023.

نقطة تحول للعالم

وتمثل البلدان التي تجاوزت الآن نقطة التحول في مجال السيارات الكهربائية ثلثي مبيعات السيارات في العالم. ولا يزال هذا يترك قطاعات كبيرة من سكان العالم خلف المنحنى. ومع ذلك، قد تكون هناك نقطة جديدة تحول تقترب بالنسبة للهند وإندونيسيا وبولندا، وهي أسواق سيارات مهمة، حيث تشهد المركبات الكهربائية ارتفاعاً. وفي أميركا الجنوبية، يمكن للدفعة الكبيرة الجارية من قبل شركة «بي واي دي» الصينية أن توفر الشرارة لاعتمادها على نطاق واسع، بدءاً من البرازيل.


ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست لايسنج آند سينديكيشن»