ما تزال الحكومة الإسرائيلية متماسكة ومستمرة برغم خروج الوزير جدعون ساعر من الحكومة، والضغط الذي يباشر على «بيني جانتس» الوزير في مجلس الحرب، وكذلك على الوزير «غازي ايزنكوت» للخروج الاضطراري، بهدف تفكيك الحكومة، أو إفشال مكوناتها الحزبية الآخري في الاستمرار ومع افتراض حدوث ذلك فإن الحكومة ستظل لها الأغلبية خاصة وأن رئيس الوزراء الإسرائيلي نتنياهو ماض في مساره رافضا أي دعاوى لأي تغيير وزاري من أي نوع بما في ذلك الذهاب إلى انتخابات جديدة، أو الاحتكام للجمهور الإسرائيلي، خاصة وأن قناعة نتنياهو بأن الاحتجاجات الراهنة في شوارع إسرائيل مرتبطة بقوى رافضة لحركة المجتمع وبعضها- وإن لم يكن أغلبها- له حساباته وتقديراته الكبيرة التي يتفهمها، والتي دعت الرئيس الإسرائيلي اسحق هرتسوج للدعوة لحوار وطني، حوار فشل قبل أن يبدأ.

ومن ثم فإن ما يجري من تطور داخلي على مستوى الأحزاب سيستمر من دون أن يهز وضع الحكومة الراهنة، ما لم تندفع في صراع مع الحريديم، وهو الخطر الأكبر في حال التمسك بإدخالهم الخدمة الإلزامية، وتخصيص لواء كامل لهم في الجيش، أي لن يكونوا ضمن وحدات وكتائب الجيش المعتادة، وهو المقترح الذي نقل لقادتهم، ومع ذلك تم رفضه.

 المتدينين لهم معطياتهم، وقدراتهم الكبيرة في دعم الحكومة والحصول على مكتسباتهم، ومخصصاتهم التي يسعون فيها إلى قنص الفرص الحقيقية لشريحتهم الكبيرة، والمؤثرة والضابط الحقيقي لاستقرار أي حكومة وفي حال حدوث أي خلل في مستوى علاقات الحكومة بقيادات الحريديم تتغير قواعد التعامل.

والوارد حدوث توافق حزبي مع الحريديم ضمن صفقة حقيقية تبرم مع الحكومة الراهنة، ومن ثم لا تدخل الحكومة في متاهات حزبية جديدة في ظل استمرار الحرب في غزة، وعدم وضوح الرؤية السياسية والأمنية، وفي ظل المخاطر الكبرى التي تتعرض لها الدولة العبرية بأكملها، وهو ما يروج له اليمين الحزبي بأكمله من أن إسرائيل تواجه توقيتات عصيبة تتطلب مساندة الدولة، ودعم قرارها السياسي والحزبي، وعدم الدخول في مواجهات من أي نوع.. على جانب آخر تتطلب النظرة الراهنة للوضع الحزبي في إسرائيل نظرة مقابلة إلى إسرائيل العسكرية التي تمضي في مسارات متدرجة، واعتماداً على قدراتها في فرض استراتيجية الأمر الواقع وبالتنسيق مع الجانب الأميركي، واستثماراً لوضع دولي مؤيد وداعم لإسرائيل في خطواتها بصرف النظر عن البعد الإنساني والمطالبة بدخول المساعدات إلى سكان القطاع، وهو ما يؤكد أن إسرائيل العسكرية ماضية في مسارها من دون النظر إلى أي خلافات داخل الحكومة الموسعة، أو حتى في مجلس الحرب، واعتماداً على أن القرار العسكري يستبق أي قرار سياسي في الوقت الراهن.

النظر إلى الواقع السياسي يتطلب رشادة في التعامل، وعدم الدخول في مشاحنات حزبية أو مع رأي الجمهور الإسرائيلي المنقسم لأسباب إنسانية متعلقة بأزمة المحتجزين، والتخوف من المستقبل، والذي لن يقتصر فقط على حركة «حماس»، وإنما أيضاً إلى جبهة الشمال حيث «حزب الله»، وقدراته الكبيرة في هذا الإطار، والتي لا تقارن بقدرات حركة «حماس» في الأصل ما يؤكد على وجود ثوابت في التعامل مع ما هو عسكري، وما هو سياسي، أو حزبي ويتطلب بالفعل مراجعات متعددة ومهمة في الوقت الراهن والمنتظر، خاصة وأن العمل العسكري المرشح للاستمرار في قطاع غزة ستكون له ارتداداته داخل إسرائيل، بل وخارجها ما يفرض واقعاً سياسياً حقيقياً، ويعمل في إطار من الحسابات المعقدة..في المجمل العام فإن إسرائيل ستمضي في إطار خيارات محددة ليس بينها أي تعارض، فالأحزاب اليمينية ومكونات الائتلاف تدرك قوتها الرئيسة والمركزية في مواجهة ما يجري من الداخل خاصة، وأن الجمهور الإسرائيلي المناوئ عاطفي، ويتعامل بمنطق محدود ومحسوب، وهو ما يجب تفهم أبعاده في إطار محدد من دون تهويل بأن البديل جاهز من معارضة هشة ضعيفة لا تملك خيارات حقيقية بل تدور في فلك ضيق.

وبالتالي فإن الرهانات على البديل غائبة بالفعل، ما يتطلب مراجعات عدة وقدرة على الحسم، وهو ما تقوم به إسرائيل العسكرية التي تتعامل انطلاقاً من قدرتها على مواجهة أي خطر يواجه الدولة، أو يقف في مواجهة الخطر المحدق بمواطني الدولة بما يتطلب استخدام القوة وتفعيلها، وتوظيفها لمواجهة المخاطر التي تحيط بالدولة العبرية من كل جانب جنوباً وشمالاً، وأن على المجتمع السياسي أن يوفر المناخ للوصول لهدف استقرار الدولة، وبقائها في محيط عدائي يعمل على إقصاء إسرائيل من الإقليم، والمساس بوجودها الأمر الذي يتطلب سرعة الحركة في مواجهة كل هذه التهديدات، ومن ثم فإن الأمر يتطلب تأكيد قدرات الدولة والاستمرار في تبني خيارات القوة، وهو ما تعبر عنه مؤسسات صنع القرار ومراكز القوى.

*أكاديمي متخصص في الشؤون الاستراتيجية.