د. طارق فهمي* .

إشكالية التعامل مع التطورات الإيرانية الإسرائيلية، وبعد مقتل قادة كبار في الحرس الثوري، خلال الشهور الأخيرة، آخِرهم العميد محمد رضا زاهدي، لن تكون مرتبطة بتوقع بحدوث رد عاجل، أو استهداف إيران للمصالح الإسرائيلية لأسباب أهمها، أن البلدين اعتمدا استراتيجية الردع، والرد المقبل، برغم أنه لا توجد مقارنات في قدرات، أو حسابات القوى الشاملة التي تعمل لمصلحة إسرائيل كدولة، سواء في العتاد العسكري، أم القدرات النوعية وفوق التقليدية.

توقع شكل الضربات المقبلة التي تتعرض لها إسرائيل لا يختلف كثيراً، خاصة أن أسلوب التعامل الإيراني معروف، ويدور في خيارات ضيقة، على عكس ما هو شائع، خاصة أن إسرائيل بدأت في التصعيد الحقيقي برفع حالة الجاهزية بالفعل، سواء بالنسبة لمسرح عمليات، أم في اتجاه مناطق التماس، مع التوقع بأن يكون مسرح العمليات في الجولان، أو الجنوب اللبناني، أو من استهداف مصالح إسرائيلية في البحر الأحمر، وغيرها من سيناريوهات تمثل بنوداً في منظومة بنك الأهداف التي يمكن استخدامها. برغم ذلك، فإن إسرائيل لن تنتظر كثيرا في التعامل الإيراني المحتمل خاصة أن الحرب التي تخوضها إسرائيل تتم في مسارح متعددة أهمها، وأخطرها في الداخل الإيراني، بعد أن تمت تصفية علماء كبار في المجمع النووي الإيراني، واستهداف شخصيات من الوزن الثقيل، عسكرياً واستراتيجياً، وهو ما سيتكرر في الفترة المقبلة، إذ إن إسرائيل لن تهدأ، خاصة أن إسرائيل لديها وفرة قوة حقيقية قادرة على التعامل مع مسارح عمليات متعددة بصرف النظر عن استمرار الحرب في غزة.

قواعد الاشتباك لا تزال قائمة، وممتدة مع «حزب الله»، وإن كانت تحتاج إلى مراجعة في ظل حالة التصعيد الإسرائيلي لجر قدم «حزب الله» إلى مواجهة ترتب لها في إطار التهديدات من جبهتي الشمال والجنوب، وفي ظل مخاوف تكرار نموذج مواجهات 7 أكتوبر، ما يؤكد أن إسرائيل لن تتراجع عن انتهاج خط التصعيد بل، والاستعداد لحرب مفتوحة، في ظل ما يجري من تطورات في الشرق الأوسط. الواقع يشير إلى أن إسرائيل ستعتمد استراتيجية استباقية، مع إجهاض أي تحرك مناوئ بكل الطرق المتاحة، استخباراتياً وأمنياً وسياسياً، وفي تأكيد مهم بأن إسرائيل هي من تقرر أمنها القومي، كما أنها تحدد مخاطر وتحديات القوى الممثلة للخطر على أمن إسرائيل، ما سيؤدي إلى ضرورة الانتقال تدريجياً من الرصد والمتابعة لتغيير قواعد الاشتباك في التعامل أو المواجهة، وهو ما سيجري مع «حزب الله»، دون انتظار طبيعة ما يجري في ظل تقييمات استخباراتية إسرائيلية مفادها أن إسرائيل ليست في حاجة إلا لمزيد من التسليح لمواجهة ما يجري، وهو الأمر الذي يفسر لماذا اتجهت إسرائيل إلى تسريع الحصول على صفقة السلاح من الولايات المتحدة تحت بند الطوارئ، واستثمار ما يجري، من خلال الحصول على (إف 15) و(إف 35)، إضافة لنوعيات متقدمة من الذخائر والمقذوفات المتطورة. الواضح أن استعدادات إسرائيل تتجاوز ما يجري في قطاع غزة من تطورات لتمتد إلى مواجهات أخرى ترتب لها إسرائيل بصرف النظر عما يجري في التعامل مع الحالة الإيرانية، خاصة أن الأشهر المقبلة حاسمة في ظل انشغالات الإدارة الأميركية بالاستعداد للانتخابات الرئاسية، ومحاولة الولايات المتحدة التهدئة في الشرق الأوسط عبر طرح بعض البدائل التي تطرحها الإدارة الأميركية، في محاولة لمحاصرة الخيارات الإسرائيلية المتسارعة في هذا الإطار، واستمرار التنسيق مع الإدارة الأميركية في إطار الحوار الاستراتيجي الممتد، ما يؤكد أن الولايات المتحدة - وفي هذا التوقيت - عازفة عن التدخل في مشاحنات مع إسرائيل، مع التأكيد على دعمها أمنياً، والالتزام بالحفاظ على تفوقها النوعي، وهو الأمر الذي يؤكد بالفعل أن ما سيجري من تطورات سواء في مواجهة إيران الدولة، أم من خلال الوكلاء سيكون محكوماً بضوابط محددة، ومعايير راسخة لن تخرج عنها إسرائيل في إطار علاقاتها مع الولايات المتحدة، مع الاتجاه إلى التصعيد في مواجهة ما يجري، سواء في جبهتي الشمال، أم الجنوب، مع التحسب لكل المخاطر المحتملة على أمنها القومي.

*أكاديمي متخصص في الشؤون الاستراتيجية.