فيما يؤكد إدراك دولة الإمارات للدور الحيوي الذي يقوم به الإعلام، كشريك أساسي في عملية التنمية المستدامة، وركيزة لتعزيز الهوية الوطنية، يشهد قطاع الإعلام في الدولة اهتماماً كبيراً من قبل القيادة الرشيدة ممثلة في صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، رئيس الدولة، حفظه الله. وتتعدد مؤشرات هذا الاهتمام، ومن أبرزها إصدار المرسوم بقانون رقم 55 لسنة 2023، بشأن تنظيم جميع الأنشطة الإعلامية للأفراد والمؤسسات والمنافذ الإعلامية والمناطق الحرة المتخصصة في مجال الإعلام بالدولة، وقد سبقه في يناير 2023، مرسوم بقانون اتحادي بإنشاء المكتب الوطني للإعلام، وفي فبراير 2023، مرسوم بقانون اتحادي بإنشاء مجلس الإمارات للإعلام.

وفي الواقع، فإنه ومنذ إعلان قيام اتحاد دولة الإمارات في الثاني من ديسمبر 1971، بدت ملامح تشكُّل الهوية الوطنية تتجلى بصورة أكبر، فقد أصبح للدولة علمُها ونشيدُها وعملتها الموحدة. وأدى نمو الاتحاد إلى تعميق هذا المفهوم لدى أبناء الإمارات. فصارت مؤسسات الدولة وأجهزتها تُعزز الموروث المحلي وترسخ الثقافة الوطنية لدى أبناء المجتمع. ومع الانفتاح الذي شهدته الدولة في مراحل تطوُّرها تصاعدت أهمية الحفاظ على الهوية الوطنية وتعزيز حضورها لدى الأجيال الناشئة. ولا شك أن هذا الإدراك المبكر لضرورة الحفاظ على مرتكزات الهوية الوطنية من مهددات التراجع أو الاختلاط بالهويات الأخرى كان واضحاً في رؤية القائد المؤسس المغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، طيّب الله ثراه، وذلك عندما أكّد على استقلال الهوية الوطنية، في حديث مع صحيفة «دي تلغراف» الهولندية عام 1973، حين قال: «لنا تقاليدنا وعاداتنا ومُثلنا التي نحافظ عليها، إننا لا ننقل حياة شعوبٍ أخرى إلى بلادنا».

وهكذا سارت القيادة الحكيمة على نهج الوالد المؤسس في التأكيد على أصالة الهوية الإماراتية. وفي إطار ما يلتزم به الإعلام في دولة الإمارات من مسؤولية واعية، فقد كان له على مدى سنوات طويلة، دور فاعل في تعزيز الهوية من خلال تطوير محتوى هادف يحث على التمسك بالتراث الوطني الغني، ويعكس ما تزخر به الدولة من ثقافة وطنية أصيلة ثرية بالقيم والمبادئ المستمدة من الموروث الديني المعتدل والثقافة العربية العريقة والهوية الإماراتية المتفردة. وبدا ذلك واضحاً في مختلف المبادرات والمشروعات الإعلامية المتعددة.

وفي هذا السياق، تجدر الإشارة إلى البرامج والمسابقات التراثية التي عُنيت بها المؤسسات الإعلامية الوطنية، مثل برنامج «الشارة» الذي بُث على مدى أعوام ونال نصيباً من التفاعل العربي والعالمي، وبرنامج «السنيار»، الذي أسهم في إحياء الموروث الإماراتي، وغيرها من البرامج التثقيفية الترفيهية التفاعلية التي جاءت لتؤكد مساهمة قطاع الإعلام في الدولة عبر مختلف الأشكال والوسائل. كما اهتمت المؤسسات الإعلامية الوطنية بتطوير وصياغة محتوى هادف للصغار، من خلال أفلامٍ كرتونية مميزة مثل «فريج» و«منصور» اللذين امتدت شعبيتهما إلى العالم العربي، وأسهما في التعريف بالهوية الإماراتية في الدول العربية، وتحديداً لدى فئتي الصغار والناشئة.

كما تجدر الإشارة إلى الدور الكبير الذي قام به المكتب الإعلامي لحكومة دولة الإمارات، بتنظيمه عدداً من الحملات الإعلامية الوطنية مثل، «حملة 100 مليون وجبة» الأكبر من نوعها لإطعام الطعام في 47 دولة، ومشروع الإمارات لاستكشاف المريخ «مسبار الأمل» الذي وصل بنجاح ومنذ المرة الأولى إلى مداره حول المريخ، وحملة «أجمل شتاء في العالم»، التي عرَّفت بالمشهد السياحي الإماراتي داخل الدولة وخارجها.

وقد أظهرت تلك الحملات تأثيرها وتميُّزها على الصعيدين المحلي والإقليمي، وعكست أهمية العمل الإعلامي ودوره في رفع مستوى الوعي العام لدى أفراد المجتمع بما يمتلكه مجتمعهم من مقومات ونجاحات وإرث ثقافي كبير. إن المسؤولية الوطنية التي تتحلى بها الأجهزة المؤسسية في الدولة باختلاف أدوارها، هي ما قاد جهودها المتواصلة والحثيثة في الحفاظ على الهوية الوطنية وتعزيز حضورها في المجتمع، والتأكيد على مرتكزاتها بالقيم والثوابت الراسخة، كما تعطي هذه المسؤولية المشتركة دلالة على تكامل وتضافر تلك الجهود في خدمة أهداف الدولة وتحقيق تطلعاتها، بما يضمن أصالة هويتها ويدعم موروثها الغني.

* صادرة عن مركز الإمارات للدراسات والبحوث الاستراتيجية.