مع تطور الأحداث وتسارعها يجنح البعض نحو لوم الدول والحكومات بطريقةٍ فجة تنسجم والنمط الإرهابي العالمي، فالسلطة أياً كانت ليست مفرعةً من مشروعية العنف أحياناً ليكون ضمن مسار الضبط، وهذا جزء من معنى احتكار العنف عند «ماكس فيبر»، الذي يعتبر احتكار العنف جزءاً من وظيفة الدولة، أو السلطة المطلقة لدى توماس هوبز.
يريد البعض أن ينقض موضوع مشروعية العنف المحتكر لصالح العموم الذي تستخدمه السلطة ليقول إن هذا طرح من «فيبر» لصالح السلطة «الشرعية» وليست السلطة القائمة، لكن ما الذي يجعل دولة ما غير شرعية؟!
من هنا فإن المشكلة لدى العامة في تحديد التصورات التي يريدونها أو النماذج التي يطمحون إليها، أنهم يبحثون عن تصويت وأصوات فارغة تودي بهم نحو الهلاك. وآية ذلك ما نتابعه اليوم من تصاعد للخطاب المتطرف الذي يستغل اشتعال القضايا والحروب التي لا بد أن تحل بالتفاوض والسلام.
لقد نظّر الأصوليون بتقديس للشعارات في عالمنا منذ قرن من الزمان وأكثر حول التثوير والمقاومة على نحوٍ شرس، إذ باتت المظالم غطاء على فقر التصورات وانعدام المفاهيم، ونقص الفهم للواقع والمستقبل والتنمية والمصير.
لقد قدسوا العداء لمفهوم الدولة على الرغم من أنها الحل الأمثل لكل الكوارث والآفات الموجودة في الواقع، بينما تفشل الديموقراطيات بالكشف عن جريمة اغتيال، أو عن سبب تهريب معين، وصعدوا ضد الدول المعتدلة باسم القضايا بينما العداء للدولة أو حتى الديموقراطية التي يدعونها ليست حلاً بقدر ما هي فضاء ينضج بمنتجيه. وحين تجيء الديمقراطية في بيئة غير متوازنة، فإنها لن تضيف إلى الواقع أي قيمة جوهرية لا تنموية ولا حضارية، فالديمقراطية تحرس ما هو قائم.
ثمة أعطال في الثقافة وفيروسات نافذة أسست لكل هذا الجهل، ورعت هذه القضايا والأمنيات التي فجرت عواطف الناس ودمرت ما كانوا عليه من رخاء واجتثّت إرثهم.
إن مواجهة هذه الموجات المتصاعدة في منطقتنا وما حولها من أخطار التأزيم والحرب وانتشار الإرهاب وترجيح واشنطن قبل يومين من عودة متوقعة لـ«داعش» في سوريا والعراق مجدداً، وتوسيع الساحات أيضاً، جميعاً أمور تُحتم علينا مواجهة كل المشكلات المروّعة التي أفرزها وفجرتها الأحداث المستجدة بطريقة مؤسسية عامة تتسم بربط المؤسسات بإدارة سياسات إدارة الأفكار.الخلاصة، حين تغيب السلطة يحضر الشر، هكذا كتب «توماس هوبز»، حكيم الإنجليز بعد الحرب الأهلية، مؤكداً أن: «الحرب الأهلية ليست إلا تجسيماً للحال الطبيعية، ولذلك فالناس جميعهم، بمن فيهم القائمون على الدين، يخضعون لرغبة الاقتدار نفسها، التي تدفعهم إلى طلب أسباب الاقتدار بالبحث عن التسلط على أجساد الناس وعلى أرواحهم».

*كاتب سعودي