بعد وقت قصير من الهجمات التي شنتها «حماس» على إسرائيل، تعهد وزير الدفاع الإسرائيلي بفرض «حصار كامل» على قطاع غزة. وقال: «لن يُسمح بدخول الكهرباء، ولا الغذاء، ولا الماء، ولا الوقود» إلى القطاع.
ومنذ ذلك الحين، كانت إسرائيل تسمح بدخول بعض المواد الغذائية وغيرها من الإمدادات إلى غزة، مع قيود مشددة. ونتيجة لذلك، أفادت منظمات الإغاثة بحدوث مجاعة، وخاصة في شمال غزة. ويبدو الآن أن هذا قد أدى إلى مجاعة فعلية، وفقاً لتصريح «سامانتا باور»، مديرة الوكالة الأميركية للتنمية الدولية.
وقالت «باور» في شهادتها أمام الكونجرس يوم الأربعاء الماضي إن التقارير التي تفيد بأن المجاعة وشيكة في شمال غزة موثوقة. ثم سألها النائب جواكين كاسترو، النائب «الديمقراطي» عن ولاية تكساس، بشكل مباشر: «إذن فإن المجاعة تحدث بالفعل هناك؟» فأجابتْ «نعم».

ولم يحدد المحكم الرسمي للمجاعات، وهو مجموعة دولية من المتخصصين، حتى الآن وجود مجاعة حالياً في غزة باستخدام معاييره الفنية، لكن التصريحات الرسمية تستند إلى مؤشرات متخلفة. لذا، فلابد وأن ننظر إلى تصريح باور في الأغلب الأعم باعتباره إشارة إلى الخطورة العامة التي تتسم بها أزمة الغذاء والمخاطر المتمثلة في انتشار الوفيات على نطاق واسع إذا استمرت.
إن سوء التغذية يقتل بالفعل الأطفال في غزة، حيث تم الإبلاغ رسمياً عن 28 حالة وفاة حتى الآن. عندما تكون منطقة ما على حافة المجاعة، يمكن أن تتصاعد الوفيات بسرعة كبيرة.
تقتل المجاعات في المقام الأول الأطفال دون سن الخامسة. لقد قمت بتغطية أزمات الجوع في جميع أنحاء العالم، والمشاهد مروعة. الأطفال المحتضرون خاملون، بلا تعبير، صامتون، لا يبكون، لأن الجسم يستخدم كل السعرات الحرارية للحفاظ على عمل الأعضاء الرئيسة.
وكثيراً ما تقتل الصراعات في البلدان الفقيرة أعداداً أكبر بكثير من الناس بسبب الجوع والمرض مقارنة بالقنابل والرصاص. والأمر غير المعتاد في غزة هو أن أزمة الجوع هذه تتكشف في منطقة صغيرة يسهل الوصول إليها، حيث يُقال إن ما بين 3000 إلى 7000 شاحنة تنتظر على الحدود محملة بالطعام. وقد اتهمت منظمة «هيومن رايتس ووتش» إسرائيل باستخدام المجاعة كسلاح في الحرب.
ونفت إسرائيل مراراً أنها تعرقل المساعدات. لكن في الأيام القليلة الماضية، وبعد تهديد الرئيس جو بايدن بوضع شروط على نقل الأسلحة، سمحت إسرائيل لعدد أكبر بكثير من الشاحنات بدخول غزة. ولابد أيضاً من توزيع هذه المساعدات، وهو ما يتطلب بنية تحتية تعمل بشكل جيد ولكنها غير موجودة الآن.

وتكمن أهمية كلمة «المجاعة» في أنها يمكن أن تشعل ناراً في ظل تحرك المسؤولين والجماعات الدولية بشكل عاجل لإنقاذ حياة الأطفال. والاختبار الذي يمثله تحذير «باور» هو ما إذا كان هذا، بالنسبة لأميركا وإسرائيل على حد سواء، سيؤدي في الواقع إلى خطوات على الأرض.

ينشر بترتيب خاص مع خدمة «نيويورك تايمز»