مع الأزمات الدولية المتكررة في السنوات الأخيرة، وفي سياق البحث عن بدائل جديدة لطرق وممرات عبور التجارة، وجدت دول العالم أن إنشاء ممرات تنموية فكرة جديرة بالاهتمام في تسهيل حركة التجارة ونقل وتبادل البضائع وتوفير الوقت والمال، وتعزيز المكانة الدولية والاقتصادية.وقد تسارعت وتيرة الربط بين التنمية والممرات الدولية، نظراً لأبعادها الاقتصادية والجيواستراتيجية في فتح شرايين حيوية للتجارة العالمية، ومسارات للعولمة الاقتصادية، في عالم لا يعرف الانغلاق، وارتباط مصالح دوله ببعضها، إذ تربط الممرات العالم، وتتيح تدفق السلع والخدمات بانسيابية كبيرة، خاصة مع استمرار التقدم التكنولوجي في مجال النقل، في وقت تشهد مناطق من العالم كالشرق الأوسط توترات تعطل حركة التجارة الدولية.

وفي رحلة البحث عن مكانتها القديمة في العالم، وتعزيز قوتها الاقتصادية والسياسية على الساحة الدولية، أطلقت الصين «مبادرة الحزام والطريق» العابرة للقارات، بربط 6 ممرات عبر البر والبحر، حتى تتمكن من تطوير علاقات اقتصادية قوية مع الدول الشريكة في المبادرة، ومع زيادة وتيرة أزمات سلاسل التوريد والأزمات اللوجستية والأمنية في الممرات البحرية، زاد «اقتصاد الممرات».

وعلى خلفية أزمة الغذاء، التي شهدها العالم عقب الحرب في أوكرانيا، دُشِّن ممر في البحر الأسود لتوريد الحبوب من أوكرانيا، وتسعى روسيا لتطوير «ممر البحر الشمالي»، الرابط بين المحيطين الأطلسي والهادئ، لتوظيفه في تصدير النفط والغاز إلى الأسواق الخارجية، فيما أُطلِق مشروع ممر بحري بين تركيا وإيطاليا وتونس، للوصول من المغرب العربي إلى البحر الأسود، ويلوح في الأفق مشروع «ميناء الفاو الكبير» في جنوب العراق، ومشروع «قناة التنمية» بين العراق وتركيا، لربط آسيا وأوروبا.

وفي 2023، كان العالم على موعد إعلان اعتزام كلٍّ من الإمارات والسعودية والاتحاد الأوروبي والهند وفرنسا وألمانيا وإيطاليا والولايات المتحدة، إنشاء «الممر الاقتصادي»، الرابط بين الهند والشرق الأوسط وأوروبا، عبر ممرين: «الممر الشرقي» الذي يربط الهند بالخليج العربي، و«الممر الشمالي» الذي يربط الخليج بأوروبا، من خلال شبكة موانئ وخطوط سكك حديد، كخطوة للتكامل الاقتصادي، ومعالجة للمخاطر التي تشكلها الممرات البحرية في الشرق الأوسط، مع تيسير نقل الكهرباء المتجددة والهيدروجين النظيف، وتنمية الاقتصاد الرقمي عبر ربط البيانات من خلال كابلات الألياف البصرية.

وتسهم دولة الإمارات بدور محوري في مشروع الممر الاقتصادي، فهي نقطة انطلاق الممر الشرقي، وإلى جانب موقعها الجغرافي الاستراتيجي لديها من البنية التحتية المتطورة في مجال النقل واللوجستيات؛ ما يجعلها دولة محورية في الممر. ولأنها توازن بين شركائها حول العالم، تستمر دولة الإمارات كمركز استراتيجي لمبادرة «الحزام والطريق» الصينية، مما يسهل التجارة بين آسيا وأفريقيا، بهدف تنويع الاقتصاد، ورسم مسار نشط نحو مستقبل أكثر استدامة. كل مشروعات الممرات الجديدة كانت نتيجة للاضطرابات في سلاسل التوريد، فكلما دخل العالم في أزمة، بدءاً من تفشي جائحة كورونا، تأثرت سلاسل التوريد، وبالتالي حدث تهديد للأمن الغذائي العالمي، وتباطؤ في الصناعة، وتضخم في الأسعار إلى معدلات غير مسبوقة.

لكن، بتعدد الممرات قد يتغلب العالم على هذه المشكلات، وخاصة أن العالم لا يكاد يمر عليه العام دون وقوع أزمات كبرى ومؤثرة على الاقتصاد العالمي. وتعطي الممرات مكانة للدول في النقل العالمي، مع ارتباطها بتطور البنية التحتية العالمية، ولاسيما الموانئ البحرية، وشبكات الطرق البرية، والسكك الحديدية، كروابط رئيسية لنظام النقل العالمي. ودول الممرات لديها فرص أكثر من غيرها لجذب الاستثمارات الأجنبية، وتحقيق معدل نمو مرتفع في النشاط الاقتصادي. كما أن الممرات تعمل على التكامل الإقليمي، إذ إنها تفتح فرص التقارب، وتسهل نقل البضائع، والتبادل الاقتصادي، والشراكات الاستراتيجية، بين أقاليم هذه الممرات.

*باحث رئيسي - مدير إدارة النشر العلمي، مركز تريندز للبحوث والاستشارات