في منتدى إعلامي قبل سنواتٍ طويلة، أرخيت سمعي في الردهة لمثقفٍ مشهور، وهو يتحدث مع البعض عن تجربته في زيارته الأولى للإمارات، وأشار بيده إلى أن هذه البنايات الشاهقة حضارة مبنى وليست حضارة معنى، وأن بلده ذات إرث وتاريخ. 
ولو كان يحاجج من يعلم لأدرك مساحة جهله، ذلك أن دولة الإمارات ذات تاريخ ضارب وعريق، وذلك بدءاً مما يُعرف بالعصر الحجري القديم، أي الفترة الواقعة ما بين 6000 ق.م - 3500 ق.م ولغاية نهاية العصر الحديدي 1300 ق.م - 300 ق.م، ثم العصر الحجري 6000 ق.م - 3500 ق.م، ثم العصر البرونزي في المنطقة 3200 ق.م - 1300 ق.م، هذا فضلاً عن تاريخ الإمارات الحديث المدوّن في الكتب والمراجع، ومن لم يقرأ التاريخ يأتي بالعجب العجاب. 
وشهادةٌ للتاريخ، فإن تعامل الإمارات مع أزمة كورونا -مثلاً- كان نموذجياً، فطوال تلك الفترة كنا في دعةٍ ورخاء. وكانت دولة الإمارات من أوائل من وفّر اللقاحات المقاومة لكورونا في المنطقة وبالمجان. وأتذكر حين أخذت الجرعة الأولى من اللقاح الصيني ذهبت وأردت أن ألحق بصفّ المقيمين من أجل التطعيم، وما لبثت أن بادرني أخ إماراتي ولاحظني وقال: تعال مِنْ هنا «أنت في بلادك». 
وكلنا لا ننسى خطاب صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، رئيس الدولة، حفظه الله، في عزّ أزمة كورونا حين قال: «لما سمعت كثير من المقيمين في السوشال ميديا يغنون النشيد الوطني وأريد اعترف لجميع المشاهدين، والله يا أهلي إني لما سمعتكم تغنون النشيد الوطني الإماراتي دمعة عيني نزلت، الله يحفظكم ويحفظ البلاد إلي إنتو فيها وإلي إنتو مخلصين مثل أهلها إِلها وإنْ شاء الله نعدي هذه المرحلة بكم سالمين غانمين موفقين». 
بعد هذه الأزمة المناخية الشديدة، وبكميات مطرية مرعبة غير مسبوقة منذ خمسة وسبعين عاماً، شغب البعض من الحَقدة، وجددوا مضغ ضغائنهم علناً، مع أن كمية الأمطار التي هطلت في يومين توازي ما هطل على بريطانيا في شهور. ولو هطلت هذه الكمية على لوس أنجلوس أو لندن أو باريس لغرقت أضعاف أضعاف ما تضررت المدن هنا، ومع ذلك وجّه صاحب السمو رئيس الدولة بدراسة ما يلزم من أجل وضع استراتيجية لتفادي آثار هذا التغيّر المناخي المفاجئ وغير المعتاد. 
لم يعلم بعض المشاغبين المارقين أن الحالة المطرية في الإمارات لا تشكل خطراً يمكن البناء عليه على المستوى التحتي، فاليابان مثلاً وضعت الزلازل جزءاً من المخاطر التي تُبنى عليها كل الخطط لأن الزلازل جزء من يومياتها وحياتها، وعليه بنت بناها التحتية، والحالة المطرية ليست جزءاً من يومياتنا في الإمارات ولم نشهد مثلها من قبل قط. 
الخلاصة، أن استثمار الموتورين لأزماتٍ معينة هدفه ليس تنموياً، وإنما له وجهه الأيديولوجي الحركي من بعض المارقين، ومن دار في فلكهم من تيارات وأحزاب. 

*كاتب سعودي