تُظهر في الأزمات معادن الناس وتُبِين عن حقائقهم وسلوكاتهم وتصرفاتهم تجاه البلد الذي يعيشون فيه. وصاحب الطبع اللئيم وحده مَن يَشمت ويتشفى ويتمنى الضرر لأخيه ومُضيفه، رغم أن الشماتة لا تجوز لمسلم بحق أخيه المسلم، لأنها من صفات المنافقين الذين حذّر الله تعالى منهم ووصفهم بقوله: «إِنْ تَمْسَسْكُمْ حَسَنَةٌ تَسُؤْهُمْ وَإِنْ تُصِبْكُمْ سَيِّئَةٌ يَفْرَحُوا بِهَا وَإِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا لا يَضُرُّكُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئاً إِنَّ اللَّهَ بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيط» (آل عمران:120).

. وقد تعرضتْ في الآونة الأخيرة منطقةُ الخليج العربي، وبالخصوص دولة الإمارات وسلطنة عمان وشرقي السعودية، لمنخفض جوي نتجت عنه رياح قوية وأمطار غزيرة، مما تسببت في فيضانات وأدى لتعطل حركة الطيران، واقتضى العمل والدارسة عن بعد، وهو أمر طبيعي يحدث في أي بلد مهما تكن إمكانياته، بما في ذلك الدول العظمى، كما يحدث في أي مكان بما في ذلك مكة المكرمة والمدينة المنورة. ومع هذه الأحوال الجوية الناتجة عن ظاهرة تغير المناخ العالمي، فقد لاحظنا صنفين من الناس، صنف شمت وتشفى وتمنى المزيد من الضرر لهذه الدول، رغم أن بعضهم يعيش بين ظهراني أهلها، لكنه هوَّل كثيراً وبالغ في تشنيع الأحداث وتداعياتها، متمنياً المزيد! ورغم أن الأمطار خيرٌ وبركة، وهي تنظف الهواء وتغسل المباني والأشجار والشوارع وتحسن الجو وتنعش الطبيعة وتزيل الأوساخ والأمراض وتشرح النفوس، إلا أن تلك القلوب (السوداء) عجز المطر الغزير عن تنظيفها من الغل والحقد والحسد والكراهية.. إنهم يكرهون كل ما هو جميل ونظيف وعامر ومنتج وفعال وبنّاء ومتطور!

والغريب في الأمر أن بعض أولئك الشامتين، أصحاب الضمائر المريضة، تعاني بلدانهم الأمرّين من الأزمات والكوارث والاضطرابات، كما تعاني من فقر وعوز ونقصِ خدمات ومواصلات.. وبعضها عاجز حتى عن إزالة النفايات من الشوارع وأمام المنازل، كما أن بعضها غارق ليس فقط في مياه السيول، بل أيضاً في سيول الفساد الإداري والمالي والجرائم الأمنية. اللهم لا شماته.. لكن الشيء بالشيء يذكر! إلا أنه في المقابل لاحظنا الجانب الآخر، أي الجانب الإيجابي المضيء والمشرق، إذ كان هناك شباب من جنسيات مختلفة، تطوع بعضهم ونزلوا بأنفسهم إلى الشوارع يساعدون الناس ويحاولون إنقاذ السيارات والحفاظ على الممتلكات، بينما وقف بعضهم الآخر ينظم حركة السير ويوجه الناس نحو المسارات الآمنة، وذهب بعض ثالث منهم إلى ما هو أكثر مشقة من ذلك، حيث كانوا يغوصون في الماء بغية تنظيف وتسليك فتحات مجاري نظام صرف مياه الأمطار من الشوائب والعوالق التي قد تسد فوهاتها، وذلك بغية تسريع صرف المياه من الشوارع. الشعوب والمجتمعات تتصرف أحياناً وفق سلوكيات متناقضة إلى حد يثير العجب، ويبدو أن كل بيئة تفرز ثقافة مختلفة عن ثقافة البيئة الأخرى، وكل ذلك حسب التربية والسلوك الأخلاقي للفرد والمجتمع والإرث المجتمعي والمنبع الثقافي. إن أحداثاً مفاجئة وأزمات طارئة وكوارث طبيعية كهذه يمكن أن تحدث في أي بلد، لكنها تكشف معادن وضمائر الناس، فيظهر الكل على حقيقته! وكما قال الإمام الشافعي: (جَزَى اللهُ الشَّدَائِدَ كُلَّ خَيْرٍ وَإنْ كانت تُغصّصُنِي بِرِيقِي وَمَا شُكْرِي لهَا حمْداً وَلَكِن عرفتُ بها عدوّي من صديقي)

*كاتب سعودي