تمثل القدرة على إنتاج الأفكار المبتكرة، وتحويلها في وقت قياسي إلى استراتيجيات وخطط وبرامج للعمل، واحدة من أهم ركائز النجاح والتفوق في دولة الإمارات. فقبل نحو ثماني سنوات، أطلق صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي، رعاه الله، مبادرة «خلوة الشباب»، واجتمع في 4 أكتوبر عام 2016 مع نحو 150 شاباً وشابة من أبناء الدولة، من بينهم استراتيجيون ومفكرون ومبتكرون في مجالات مختلفة. وعلى مدى يومين، نوقشت في تلك الخلوة مئات الاقتراحات والأفكار حول تفعيل دور الشباب في الدولة، وتمكينهم، وتمهيد كل السبل أمام انخراطهم الكامل في ملحمة التطور والإنجاز.

ويوم الخميس الماضي، 25 أبريل 2024، كان صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، يجتمع مجدَّداً مع 200 من شباب الوطن، في دورة جديدة من دورات «خلوة الشباب» تحت شعار «تنمية.. تمكين.. مستقبل»، في إشارة إلى تواصل دور الخلوة، منذ إنشائها، في تقديم الأفكار الخلاقة التي تتفاعل بوعي مع ما يطرأ من تغييرات متسارعة في كل أوجه الحياة في المنطقة والعالم. وخاطب سموه كل شابة وشابة من أبناء الإمارات قائلاً: «بادر لا تنتظر. بلادكم مليئة بالفرص، ومستقبلكم مشرق، بإذن الله. وبيدكم تصنعون واقعاً أفضل لكم ولأسركم ولبلادكم». وكما هو شأن الخلوات السابقة، فقد جاء انعقادها هذا العام بالشراكة مع عدد من المؤسسات الوطنية، وهي: مكتب رئاسة مجلس الوزراء، ومكتب الأمانة العامة لمجلس الوزراء، والمسرعات الحكومية، ومتحف المستقبل، إضافة إلى مركز الإمارات للدراسات والبحوث الاستراتيجية.

ويضمن هذا النوع من الشراكات المثمرة تنوعاً في المنطلقات والأفكار والرؤى، على النحو الذي يُفضي إلى تقديم خريطة طريق شاملة تنصهر فيها كل المقاربات ووجهات النظر بعد مناقشتها في إطار من الحرية والانفتاح. وقد شملت محاور النقاش هذا العام سبعة موضوعات حيوية، هي: التعليم، ورأس المال البشري، والعمل والإنتاجية، والصحة والسلامة، والمجتمع، والمواطنة، والاستدامة. تجدر الإشارة إلى أن «خلوة الشباب» قد عرفت طريقها إلى الإنجاز منذ دورتها الأولى، وقدَّمت إسهامات مهمة على طريق مأسسة الجهود المبذولة من أجل الشباب، إذ نجحت عام 2016 في إطلاق «الأجندة الوطنية للشباب»، بمشاركة 67 جهة في الدولة، وتتمثل رؤيتها في إعداد «جيل من الشباب المنتج يتمتع بروح المبادرة والريادة ويجسد القيم الإماراتية». وتلت ذلك مبادرات أخرى، منها إنشاء «مجالس الشباب» عام 2017، لضمان تمثيل وجهات نظرهم، وتلبية احتياجاتهم في جميع مراحل صناعة القرارات الحكومية. وشهد هذا المسار نقلة نوعية عام 2018، مع إنشاء «المؤسسة الاتحادية للشباب»، بهدف إشراكهم في مختلف قطاعات المجتمع، وصقل وإطلاق طاقاتهم وقدراتهم وإبداعاتهم وأفكارهم، وتبني مواهبهم. وتتولى المؤسسة الإشراف على عمل مجالس الشباب، ومراكز الشباب، ومختلف المبادرات والبرامج المعنية بالشباب، كما تتابع العمل على الأجندة الوطنية للشباب، وسبل تحقيق أهدافها.

وأدت جهود مأسسة العمل الشبابي إلى توالي القرارات التي تعزز تمكين الشباب في مختلف قطاعات العمل ومستويات الإدارة العليا، ومن بينها قرار لمجلس الوزراء، في يونيو 2019، بإلزامية إشراك أعضاء من فئة الشباب في مجالس إدارات الجهات والمؤسسات والشركات الحكومية، بما لا يقل عن عضو واحد، وممن لا تتجاوز أعمارهم 30 عاماً. وتعزز مخرجات «خلوة الشباب» الأخيرة ما حققته المبادرة من نجاحات منذ انطلاقها، حيث تضمنت تعريف المشاركين بالتوجهات المستقبلية للمؤسسة الاتحادية للشباب، وإشراكهم في تطوير منصات رقمية تفاعلية، وتصميم أكثر من 20 خدمة جديدة للشباب، وأكثر من 15 مبادرة مطوّرة، والعمل على أكثر من 5 سياسات جديدة للشباب، وتطوير منصات رقمية تفاعلية، وهو ما يبرهن على وجود طاقات وقدرات فائقة لدى شباب الوطن، تعزز المشاعر الإيجابية، وتزيد من الأمل والتفاؤل بالمستقبل.

*صادرة عن مركز الإمارات للدراسات والبحوث الاستراتيجية.