المملكة الأردنية الهاشمية تعرضت خلال عقود مضت لهزات وأحداث من بينها «أيلول الأسود» عام 1970، حيث واجهت صعوبات، وتغلبت عليها بحنكة وذكاء، العاهل الأردني الراحل الملك حسين بن عبدالله رحمه الله.
بعد «طوفان الأقصى» شهد الأردن مظاهرات واحتجاجات عارمة، لممارسة الضغوط، على الحكومة الأردنية، بمنطق شعبوي لا يقدر موقف الأردن تجاه إخوته الفلسطينيين في غزة، بينما يقاوم الأردن هذا الزخم المتصاعد للحفاظ على استقراره، الذي يخدم، أيضاً، أمن واستقرار الضفة الغربية وقطاع غزة.
الأردن يشكل محطة مفصلية لاستقرار المنطقة، ويتمتع بالاستقرار السياسي والاقتصادي، وبعلاقة قوية بين الشعب الأردني والملك، فالعائلة المالكة تحظى تاريخياً بدعم واسع من قبل الشعب الأردني والمؤسسات الحكومية والعسكرية، إضافة إلى علاقات المملكة المتميزة مع الدول العربية، وخاصة دول مجلس التعاون الخليجي.
من جهة أخرى، ما يعزز موقف الأردن، أن الولايات المتحدة الأميركة يهمها دور الأردن وكذلك «الناتو»، من أجل تعزيز أمن واستقرار المنطقة. وتدرك إسرائيل جيداً بصفتها حليف للولايات المتحدة الأميركية، أهمية استقرار الأردن الذي يعزز استقرار الإقليم. 
الأردن يواجه ضغوطاً داخلية وخارجية، وفي ظل المشهد المتوتر بعد الحرب بين «حماس» وإسرائيل، يشارك الأردن مع مصر وقطر في البحث عن تهدئة، وإيجاد مخرج من خلال صفقة الرهائن المرتقبة بين «حماس» وإسرائيل، وفي غضون ذلك هناك من يحاول تخريب هذه الصفقة.
ومكمن الخطر أن قيادات الفصائل الفلسطينية وخاصة «حماس» تخاطب الشعب الأردني مباشرة، دون مراعاة، الدولة الأردنية، وتريد أن تجعل الأردن ممراً لمهاجمة إسرائيل. الأردّن ليست الدولة الوحيدة التي عقدت اتفاقاً مع إسرائيل، فهي ثالث دولة توقع اتفاقية سلام مع إسرائيل تمثلت في اتفاقية «وادي عربة» مع إسرائيل، بعد اتفاق أوسلو بين إسرائيل والفلسطينيين. حكومة الأردن تقول: «لا يحق لحماس أن توجه أي خطاب للأردنيين». المملكة الأردنية أول دولة، منذ خمسة وعشرين عاماً، أخذت موقفاً من «حماس».
نرى أن إضعاف الدولة الأردنية، ليس في صالح فلسطين. وانتهاج سياسة رفع الشعارات وتحريك الشارع، لا يخدم القضية الفلسطينية، وهذا ما ثبت على مدى عقود، لكن يبدو أن هناك من يريد للأردّن الدخول في فوضى. ولا ننسى أن الأردن الدولة العربية التي نبهت مبكراً، إلى خطورة «الهلال الشيعي»، الذي أفل هلاله، قبل أن يصبح بدراً !؟
وفي ظل حالة الحرب الراهنة بين «حماس» وإسرائيل، تلوح في الأفق إرهاصات أو توقعات بأن تقبل إسرائيل بعلاقة جديدة مع الفلسطينيين في غزة والضفة الغربية، فلسطينيون لا تقودهم «حماس»، وربما يمنح هذا السيناريو كل الأطراف بعض الأمل في أنه، لن تكون هناك جولة جديدة من سفك الدماء.
وخلال المواجهات بين إسرائيل وإيران، كان الأردن حذراً من اتخاذ أجوائه ممراً، وأسقط الصواريخ التي مرت في أجوائه، وبدا الأردن، حسب بعض المحللين، كما لو كان هو المستهدف، لكنه بخبرته العسكرية والأمنية، قطع الطريق على الأطراف التي أرادت، إضافته إلى العواصم العربية الخمسة الواقعة تحت نفوذ إقليمي. 

ومن الأهمية أن نذكر أن مواقف الأردن متقدمة تجاه شقيقتها فلسطين وخاصة أهل غزة، وبذلك كانت سبّاقة، كأول دولة تسقط المساعدات الإنسانية من الجو على أهالي غزة، في ظروف استثنائية صعبة! التي تلتها الإمارات في إسقاط تبرعاتها.

* سفير سابق