صدر عن دار «مداد» كتابٌ في غاية الأهمية، كتبه عبد الرحمن خليفة السويدي أحد أعضاء تنظيم «الإخوان المسلمين» الإرهابي في الإمارات لعقود من السنين. وقد جاء هذا الكتاب في ثمانية فصول و175 صفحة من القطع الوسط. وأهمية هذا لأنه من عضو انضم إلى التنظيم من أول شبابه وبقي حتى قارب الستين من العمر، وحتى وجد نفسه ملقىً في السجن في شرق الدنيا.
في لحظة خطيرة هزته كلمة يسمعها لأول مرة في حياته وهي: كبنجارا أي خذوه إلى السجن.
لقد دوّن الكاتب فيه تجربة جديرة بالقراءة والتعامل وهو وثيقة تحذيرية أمام الشباب الذين تغلب عليهم العاطفة الدينية أو الإنسانية، فيأخذونك من هذا الجانب شيئاً فشيئاً، ليدخلوا دهاليز مظلمة وتترسّخ عندهم قناعات إرهابية، تدمرهم وتدمر أسرهم وأوطانهم، ويكون غُصّة وخسارة للوطن.
وإن أول ما يلفت النظر في هذه التجربة، هو عمق الدهاليز السرية المظلمة وظهور أصحابها بمظهر الإحسان وفعل الخير والمساعدات الإنسانية بأنواعها من دروس وصداقات ومخيمات ورحلات وتعارفات... ولكنها تخفي وراءها وجهاً آخر لا يراه في البداية هؤلاء الشباب المغرَّر بهم ومن خلال ذلك يسبحون إلى تنظيمات ذات أهداف سياسية خطيرة، تبدأ بالبيعة (المجهول)، وبهذه البيعة يسلِّم كل من يبايع مفاتيح عقله وتفكيره ونظام حياته وعائلته إلى هذا الإمام الغائب المجهول، فيصبح هذا الشاب الغِرّ المسكين آلة بيد جهاز سرّي يحركه كما يريد ويصنع به ما يشاء.
وقد تحدث الكاتب عن هذا بدقة حتى وصل تحريك هؤلاء الأغرار إلى اختيار نوع الدراسة ومكانها، ونوع العمل الوظيفي الذي يقوم به، ويصل الاستسلام (للمجهول) إلى أخص الخصوصيات الشخصية، وهو اختيار الزوجة وتصريف الوقت والعطلة، والعلاقة مع الأهل والعائلة، وهذا يؤكد أنه صار رهينة وسجيناً في أيدٍ خفيّة خطيرة ُتملي عليه من وراء الستار ولا يعرفها، ويصل هذا التحكم إلى إلقائهم في مهاوي الخطر عندما تأتيهم التعليمات للمشاركة في أعمال تضر بالوطن والمواطنين، أو ترميهم في معارك خارجية لا ناقة لهم فيها ولا جمل. وقد تحدّث الكاتب عن الزواج التنظيمي بما يؤكد أن تنظيمين متوازيين أحدهما للرجال والآخر للنساء، يسيران جنباً إلى جنب ويكوِّنان مجتمعاً خاصاً بهم لا يرضى بالمجتمع حوله ويترفع عنه، وكأنه مجتمع مناقض تحركه بطرفيه أيادٍ سوداء خفية لا يعلمها هؤلاء المغرر بهم.
ولقد تحدث الكاتب بحسرة وألم - وحق له ذلك - عن سنوات عمره الضائعة وأحلامه التي تبخرت بتأثير هذه الأيادي السوداء وأبعدته عن دراسة الهندسة وألقت به في وديان الجهالة والتخبط.
وقد أجاد الكاتب وأبلغ عندما خصص مواضع من كتابه لكشف أساليبهم ومخططاتهم في اختراق الأماكن الحساسة في الوزارات والإدارات والشركات وجمعهم المعلومات عن الأشخاص وكوّنوا في الدهاليز المظلمة ما يشبه (حكومة الظل).
وإنّ أخطر ما كشفه الكاتب بعد سريِّة التنظيم ودهاليزه هو تركيزه على التداريب ذات الطابع العسكري لأتباعه، وكيفية حقن هؤلاء الشباب بأفكار العنف والتمرد على الدولة والوطن، وكأنهم جيش داخل الدولة ينتظر الأوامر السوداء للانقضاض على مكتسبات الوطن، غير معترفين بالجيش النظامي الذي يحمي الوطن ويصون مقدراته، وهذا نابع من رؤية (قطبية) تستعلي على المجتمع ولا تسلّم بأنه مجتمع مسلم، بل هو في جاهلية وضلال وأن خلاصه من هذه الجاهلية لا يكون إلا بالحرب على المجتمع كما أكد ذلك الكاتب في فصل لاحق.
وإنّ هذه التداريب العسكرية في أماكن متعددة هي التي غرست روح الثورة والصدام مع الحكومات فكان التدمير والتخريب وإزهاق الأرواح.
وقد أجاد الكاتب وأفاد في فصول عديدة حين كشف بالأدلة القاطعة استغلال هذا التنظيم السرّي الإرهابي لواجهات جذّابة براقة من أعمال الخير والجمعيات الإحسانية المتعددة، وهي ليست سوى طرق خفية لتقوية التنظيم وتدعيمه داخل المجتمع، للوصول إلى الأهداف المرسومة.
وقد كشف أن هذه الواجهات التي تنطلي على عامة الناس لأنها تلامس عواطفهم بينها ترابط عالمي وثيق، تتصل فيما بينها وتنسق أعمالها الإدارية والمالية ووراءها كثير من اللقاءات والمؤامرات الحزبية.
والأمر الخطير في هذه الواجهات الإنسانية التي يتعاطف معها الناس فيتبرعون لها، أنها لا تعم الناس المحتاجين بل هي لأتباعهم والمتعاطفين معهم في كل مكان يتواجدون فيه فقط، وهي مؤسسات عابرة للدول والقارات لأنهم صنعوا شبكة عالمية خطيرة. ويزداد الأمر خطورة عندما تتسلل هذه الشبكة إلى المنظمات الأممية ذات الأعمال الإنسانية، فتصبح هذه المنظمات الأممية تحت توجيههم ويستغلون مصداقيتها الأممية العالمية لمآربهم.
وذكر الكاتب نموذجاً من ذلك، وقد وقع هذا النموذج في شرِّ أعماله وقُبض عليه متلبساً بالجرم وحكم عليه بالسجن. والأخطر من هذا كله ما أكده الكاتب من استغلالهم للعمل الخيري والإحساني لتكوين امبراطورية مالية عالمية لها رصيد مالي كبير في أماكن متعددة وأسماء مختلفة، وقد وجدت هذه الامبراطورية المالية ملاذاً في النظام القطري، فهيأ لها مظلة علنية تختبئ تحتها، وجعل من اسم فلسطين نفقاً للاستغلال الفكري السياسي، ومن المسلمين الجدد مدداً لتقوية الشبكة العالمية التي لا تلتزم بقانون ولا تنضبط بوازع. وبهذه الامبراطورية المالية الضخمة أقامت قنوات إعلامية كثيرة ومؤثرة تقوم باستقطاب الشباب تحت شعار التطوير والتغيير ومواكبة الحضارة لدورات ظاهرها علمي وباطنها زرع الأفكار الخطيرة، واستقطبت مجموعة من باحثيهم لغرس التمرد والعصيان ضد حكوماتهم ومجتمعاتهم، وبهذا أصبحوا معاول هدم للأوطان ومحرقة لأعمار وعقول هؤلاء الشبان.
والقارئ لهذا الكتاب وهو يعايش الكاتب في تجربته الأليمة يتأكد من أن هذا التنظيم السري لا يتورع عن بلوغ هدفه بأي وسيلة كانت، فالقيم والأخلاق والعقائد كلها تُرمى بعيداً حين تقف في طريق هذه الأهداف البئيسة المدمرة، فالكذب جائز والغش والسرقة شيء مقبول إذا كانت توصل للهدف، ولو كان في ذلك الإساءة للآخرين من الحكام ورجالات الدولة وعامة الناس.
وقد أكد الكاتب من خلال تجربته أن الأيادي السوداء الخفية تعلن غير ما تبطن وإذا التقى بعضهم بمسؤولين أو حتى مع أتباعهم، فإن لهم خطابين أحدهما سري، وعليه يسيرون وآخر علني هو للتخدير وتهدئة الأتباع والمنتقدين.
وقد أحسن الكاتب عندما خصص فصولاً للتنظيم الإرهابي داخل دولة الإمارات العربية المتحدة، وبيَّن أن الأسباب التي تدعو إلى الحقد والكراهية للحاكم والمجتمع والدولة قد تكون في بلاد أخرى، ولكنها غير موجودة في دولة الإمارات العربية المتحدة، وأن القيادة قد رفعت أبناء هذا الوطن كلهم من الفقر إلى الرفاهية ومن الضعف إلى العزة، ومن الجهل إلى أعلى مراتب المعرفة، ولكن هذا التنظيم أبى إلا أن ينحرف ويمكر ويستغل الأحداث الخارجية المسماة (الربيع العربي) ومع علم أجهزة الدولة بما يضمرونه فقد وقفت منهم موقف الحرص عليهم والرأفة بهم، وذلك في عدة مواقف لتردهم عن غيِّهم ومكرهم، ومن ذلك لقاء ثلاثة أشخاص من قادتهم مع ولي عهد أبوظبي صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، حفظه الله، عام 2003 واستمع إلى وجهة نظرهم وأعطاهم وجهة نظره بكل شفافية وبيَّن لهم الطريق الأفضل لخدمة الوطن والإسهام في بنائه وكرامتهم مصونة كأي مواطن وأعطاهم ثلاثة خيارات وكلها إيجابي وبنّاء، ولكنهم خرجوا إلى أتباعهم وقلبوا الحقائق وزوّروا مضمون اللقاء، ولجؤوا إلى المكر والغدر، فاضطرت الدولة لاتخاذ الموقف المناسب الذي يمنع أذاهم وتخريبهم.
وقد ذكر الكاتب أمراً مهماً في تجربته ألا وهو إساءتهم إلى الدولة بإشاعاتهم المغرضة وأنها تمارس التعذيب في السجون والإهانة، وأكد أن الذي وجده عكس ذلك وهذا ما أعطاه الفرصة الكافية ليعيد النظر في أيامه منذ أن دخل هذه الدهاليز المظلمة، فأضاع فيها شبابه وأحلامه واكتشف عمق المعاناة والمرارة التي عاناها وأساليب الكذب والالتواء التي عايشها وأدرك خطورة هذه الأيادي الخفية السوداء التي لم يصل يوماً إلى أصحابها، فاستيقظ وتاب إلى الله، وحرَّكه ضميره إلى تسجيل هذه الوثيقة الخطيرة الهامة ليضعها أمام الشباب حتى لا يقعوا فيما وقع فيه.
وإن أهمية هذه الوثيقة تأتي من شخص كان له حضور وأعمال في هذا التنظيم الرهيب، عايشهم عقوداً من السنين وجال بين شخصياتهم وعرف حيلهم وأساليبهم، فأنصح الشباب بقراءة هذه التجربة حتى لا يخطفهم معتدٍ أو يعبث بعقولهم حاقد أو تتسرّب إليهم أفكار تسيء إلى قيادتهم ووطنهم ومجتمعهم، وحتى لا تضيع أعمارهم وعقولهم سدى، دون فائدة مع الله ومع الأهل والوطن.
*مستشار في ديوان صاحب السمو ولي عهد أبوظبي