عندما صعد رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو إلى المنصة يوم الأربعاء ليعلن فوزه في الانتخابات العامة التي أجريت الأسبوع الماضي، لم تكن كل اللافتات التي تحييه من بحر من الأنصار تتحدث عنه. فقد كان بعضها يحمل اسم زعيم أجنبي هو «ترامب». وأكدت تلك الأعلام التي كانت تلوح بوضوح على الدور الكبير الذي لعبه الرئيس دونالد ترامب وإدارته في الانتخابات الإسرائيلية التي انتهت بحصول نتنياهو على ولاية خامسة، وهي الرابعة على التوالي، كرئيس للوزراء.
ومن الجدير بالملاحظة، كما قال العديد من الخبراء في الشؤون الخارجية، الطريقة الواضحة التي ألقى بها الرئيس الأميركي بثقله وراء شخص مفضل لديه في انتخابات دولة أخرى. يقول «يوسي ألفير»، المسؤول السابق في المخابرات الإسرائيلية والمحلل المستقل لشؤون الأمن القومي حالياً: «لم يقل ترامب: صوتوا لشخص بعينه.. لكنه على حد ما أتذكر فإن هذا أمر غير مسبوق: رئيس أميركي لا يتكلم، لكنه يتصرف بطريقة تشير إلى المشاركة نيابة عن أحد المرشحين». وأشار ألفير إلى أنه لم يسمع خلال الحملة الانتخابية أي مخاوف في إسرائيل حول تدخل زعيم أجنبي نيابة عن رئيس الوزراء، قائلاً: «يحظى ترامب بشعبية هنا.. والإسرائيليون لا يميلون إلى الطريقة التي يفكر بها الأميركيون الذين يعارضون ترامب».
وبالطبع، فإن التدخل الأميركي في شؤون الدول الأخرى ليس بالأمر الجديد. ومن المشاركة السرية لوكالة الاستخبارات المركزية في الانتخابات في أميركا اللاتينية وجنوب شرق آسيا، إلى دعم المرشحين المفضلين أو الحركات المؤيدة للديمقراطية في أوروبا الشرقية.. كانت الولايات المتحدة تعمل على التأثير على نتائج الانتخابات وتثبيت أو إزالة حكومات تحبها أو لا تحبها، خاصة منذ الخروج من الحرب العالمية الثانية كقوة عالمية عظمى.
بيد أن هذه الجهود، العلانية منها وغير الملحوظة، كانت مبررة عموماً في ذلك الوقت باعتبارها تخدم مصالح الأمن القومي للولايات المتحدة، كما يشير الخبراء، أو باسم القيم الأميركية والعالمية مثل الديمقراطية وحقوق الإنسان.
وما يميز تدخل ترامب في الانتخابات الإسرائيلية هو الدعم الذي منحه رئيس أميركي لزعيم آخر، وكذلك الطريقة التي استخدم بها الرئيس هذا التأييد النشط لتعزيز تأييده في الداخل بين العناصر الرئيسية في قاعدته السياسية.
«خلال خبرتي التي امتدت 25 عاماً من العمل في إدارات جمهورية وديمقراطية، نادراً ما كنت أرى رئيساً أكثر تصميماً على تأييد مرشح مفضل في الانتخابات الإسرائيلية»، بحسب ما يقول «آرون ميلر»، وهو مستشار سابق في وزارة الخارجية لشؤون الشرق الأوسط، والذي يضيف: «إننا نتدخل في شؤون الدول الأخرى طوال الوقت، لقد تدخلنا في انتخابات وأطحنا بحكومات. لكن هذا مختلف تماماً. إنه خاص بالعلاقات الأميركية الإسرائيلية، وهو نهج علني مؤيد لنتنياهو ومرتبط بمصالح ترامب السياسية».
وفي الواقع، يقول الكثيرون إنه لا يوجد تفسير آخر غير المحسوبية السياسية للتوقيت الذي اتخذت فيه إدارة ترامب قرارين في الأسابيع الأخيرة، فيما أظهرت استطلاعات الرأي أن نتنياهو يتخلف عن منافسه السياسي في الانتخابات «بيني جانتس» من حزب «أزرق وأبيض» الوسطي. القرار الأول كان اعتراف ترامب بالسيادة الإسرائيلية على مرتفعات الجولان المحتلة، وهي الخطوة التي رفضها رؤساء سابقون، جمهوريون وديمقراطيون، باعتبارها أحادية الجانب ومخالفة للقانون الدولي. وفي الأسبوع الماضي، جاء تصنيف وزارة الخارجية للحرس الثوري الإيراني كمنظمة إرهابية أجنبية، وهو التصنيف الأول على الإطلاق لشعبة عسكرية في دولة أجنبية، وهو أيضاً التصنيف الذي سعى إليه نتنياهو دون جدوى لسنوات وواجه اعتراضات من مجتمع الاستخبارات الأميركية والبنتاجون. وقد حظي كلا القرارين بشعبية على نطاق واسع لدى قاعدة ترامب.
وما يثير الدهشة هو أن تأثير ترامب الشديد على الانتخابات الإسرائيلية يأتي في الوقت الذي تتزايد فيه الحساسية في الولايات المتحدة لقضية التدخل الأجنبي في الانتخابات. فما لا يزال الكونجرس يتناول قضية تورط روسيا في الانتخابات الرئاسية لعام 2016، والذي خلصت وكالات الاستخبارات الأميركية إلى أنه كان يهدف إلى تدمير هيلاري كلينتون وتعزيز آفاق ترامب.
ويرى بعض المحللين أن الفرق الواضح بين التدخل الروسي في عام 2016 وتصرفات ترامب المؤيدة لنتنياهو، هو أنه في حين أن روسيا كانت تتصرف سراً ومن خلال وسائل الإعلام الاجتماعية، كان ترامب يتصرف علانية.
ولا يزال ينظر إلى ترامب على نطاق واسع باعتباره يتجاوز الحدود التي حددتها الإدارات السابقة، والتي اتخذت خطوات لتعزيز فرص المرشحين المفضلين لرئيس الوزراء الإسرائيلي.
ويستشهد ميلر بثلاث حالات عمل فيها الرؤساء على التأثير على نتائج الانتخابات الإسرائيلية؛ واحدة في عهد جورج دبليو بوش، واثنتان في عهد بيل كلينتون. لكن الحالات الثلاث كانت ترمي إلى زيادة فرص التوصل إلى اتفاق سلام إسرائيلي فلسطيني، وليس لتعزيز الشخصية المفضلة.

*صحفي أميركي
ينشر بترتيب خاص مع خدمة «كريستيان ساينس مونيتور»