يغمر الغروب قرية «تل تمر» بالظلام الدامس، ففي هذه المنطقة النائية بشمال شرق سوريا يمكن أن يستمر انقطاع التيار الكهربائي لأيام. وفي نوافذ كنسية محلية، تنعكس أضواء الشموع الخافتة بينما يتجمع المسيحيون الآشوريون لتوديع فرد آخر من أفراد مجتمعهم الآخذ في التناقص.
وقبل بداية الأزمة في سوريا عام 2011، كان المسيحيون يشكلون ما يتراوح بين 10 و12 في المئة من سكان الدولة الذين كان يبلغ عددهم زهاء 18 مليون نسمة. والمسيحيون الآشوريون مجتمع عرقي إلى جانب كونهم أقلية دينية ترجع جذورهم إلى الإمبراطورية الآشورية في بلاد الرافدين القديمة، ويبلغ عددهم زهاء 30 ألف نسمة، ويتمركزون في شمال شرق سوريا، وبصورة رئيسية هنا في «تل تمر» و«القمشلي».
وما تبقى في الوقت الراهن في المنطقة هو مجموعة صغيرة من الأشخاص المخلصين، معظمهم من المسيحيين كبار السن، الذين آثروا البقاء أو عادوا لضمان بقاء مجتمعهم.
وعلى الرغم من ذلك، يواجهون ظروفاً صعبة، فعلى الرغم من تضاؤل التهديد المباشر من إرهابيي تنظيم «داعش»، إلا أن تحديات أخرى لا تزال باقية: مثل نقص الشباب مع هجرة الآلاف إلى دول أجنبية من غير المرجح أن يعودوا منها، خاصة في أجواء يمكن اعتبارها تشكل تهديداً مباشراً وغير مباشر، وتفر خوفاً من الأصوليين الذين استهدفوا المسيحيين في كل من سوريا والعراق.
ومن بين سكان المنطقة «مارلين كالو»، وهي امرأة متوسطة العمر تتناقض ابتسامتها المستبشرة مع توقعاتها السلبية.
وتقول «مارلين» أثناء خروجها من الكنيسة: «لا مستقبل للمسيحيين في سوريا، وقد نزح غالبيتهم، ومن تبقوا أقلية صغيرة، ونأمل أن يُفكّر الذين يعيشون في الخارج أن يعودوا إلى هنا ويساعدونا في إعادة إعمار بلادنا لكي تصبح أفضل من ذي قبل». وتضيف: «إذا عاد المسيحيون، فسيكون لنا مستقبل، وإلا فلا!». وتتابع: «لكني لا أعتقد أنهم سيعودون أبداً!».
وفي الداخل، يجلس راعي الكنيسة «بوغوص إيشايا»، ويجتمع حوله عشرات المسيحيين من كبار السنّ. ويجلسون بهدوء في صفين على كراس خشبية، ويتبادلون أطراف الحديث.
ويقول «إيشايا»: «إن أتباع كنيسته لا يتجاوزون 400 فرد، معظمهم من سكان (تل تمر) وقرى أخرى محيطة بنهر الفرات، حيث دأب الآشوريون على تربية الماشية وحراثة الأرض».
ويؤكد أن أغلبية الناس في هذه المنطقة قد غادرو، وبعد هجمات تنظيم «داعش» الإرهابي، فرّ معظم السكان، وبعض من تبقوا في سوريا عادوا مرة أخرى إلى المنطقة، لكن من فرّوا إلى الخارج، لم يعودوا.
وفي 2015، هاجم تنظيم «داعش» عدداً من القرى المسيحية، وخطفوا 257 امرأة، ودمروا عدداً من الكنائس في طرقهم. وتم إطلاق سراح الرهائن في وقت لاحق مقابل أموال فدية باهظة، بالملايين، بحسب بعض الروايات، والتي ساهم فيها كثير من المغتربين.
ومن بين السيدات اللاتي اختطفهن التنظيم الإرهابي «سومو سليمان»، وهي امرأة ذات هيبة، تصف التجربة بأسرها بثبات وقوة. وبينما يتذكر آخرون صوت إطلاق النيران القوي عند وصول المسلحين، تتذكر أنها كانت تُعدّ الشاي في قريتها «تل شميران»، عندما تفاجأت بوجود ثلاثة مسلحين في باحة منزلها.
وقالت: في البداية فتّشوا منزلها، غير مقتنعين بأنها كانت تعيش وحيدة. ثم نقلوها إلى منزل آخر، واقتيدت مع أخريات من هناك جنوباً إلى مدينة «الشدادي».
وتضيف: «كنا جميعاً نسوة، وطرح أفراد التنظيم مراراً وتكراراً فكرة تغيير الديانة»، مؤكدة على أنها رفضت مراراً وتكراراً.
وتابعت: «قضينا 8 أشهر في الشدادي، وفي يوم إطلاق سراحنا لم نصدق، وغمرتنا دموع الفرحة وصلوات الشكر». ومثل أخريات، كقريبتها «يونيا سولاكا»، قررت الاستقرار في «تل تمر»، عازمة على البقاء في أرض أجدادها. وتؤكد «الآشوريون» هم أصل سوريا.
دومنيك سوغول
صحفية أميركية
يُنشر بترتيب خاص مع خدمة «كريستيان ساينس مونيتور»