«في ديسمبر 2010، تغيرت الشخصية البشرية». هكذا كتبت الروائية الإنجليزية «فرجينيا وولف» ذات مرة. وليس من المبالغة القول إن الشخصية البشرية في الهند تغيرت أيضاً بشكل دراماتيكي بين 2014 و2019 في وقت تضاعف فيه عدد الهواتف الذكية المستخدمة في البلاد أربع مرات من 100 مليون إلى 400 مليون هاتف.

وولف، وعلى غرار العديد من معاصريها في أوائل القرن العشرين، كانت مهتمة بالكيفية غير المسبوقة التي أخذت تغيِّر بها قوى سياسيةٌ واقتصاديةٌ مثل التصنيع والديمقراطية الجماعية، إضافة إلى تكنولوجيات الاتصال الجديدة مثل التلغراف والهاتف، العلاقاتِ البشرية.
الهاتف الذكي في الهند بدأ أيضا يُحدث تحولات كبيرة جداً في الحياة العامة والخاصة. فبالنسبة لمئات الملايين من الهنود الشباب والفقراء، يمثّل الجهاز تجربتهم الأولى مع الكاميرا، والحاسوب، والتلفاز، ومشغّل الموسيقى، وألعاب الفيديو، والقارئ الإلكتروني، والإنترنت. والهاتف الذكي يختزل خطاً زمنياً للتطورات والابتكارات التكنولوجية التي استغرقت في الغرب قروناً – من اختراع الطابعة إلى قدوم التصوير والإذاعة والتلفزيون والحاسوب الشخصي وجهاز الموديم.
هذه القفزات التكنولوجية في الغرب رافقتها ثورة اجتماعية واقتصادية: وعلى سبيل المثال، فإن طبقة متوسطة صاعدة مستفيدة من الطابعة فتحت عالمَ النخبة المثقفة الصغير.
الهند اليوم تشهد تحولاً أكثر جذرية في قوة الطبقة، ذلك أن أي شخص في حوزته هاتف ذكي بات يمتلك الوسائل للتعبير عن رأيه ونشره على نطاق واسع، متجاوزاً النخبة التقليدية للممثلين السياسيين والتكنوقراط وصناع الرأي في الإعلام، بل ومواجهاً إياهم أيضا.
ولكن التجربة تقدّم أسباباً قليلة للاعتقاد بأن وسائل تواصل أسرع ستشجع على قدر أكبر من الديمقراطية والحرية عالمياً. ذلك أن الأخبار الكاذبة، التي تُنشر عبر واتساب وفيسبوك، كانت وراء جرائم قتل من قبل الحشود في الهند. وهي تهدد الآن بالتأثير على الانتخابات العامة المتواصلة في الهند بشكل حاسم، على غرار ما حدث في الانتخابات البرازيلية أواخر العام الماضي.
والواقع أن مالكي الهواتف الذكية معرَّضون باستمرار لكميات كبيرة من المعلومات والمعلومات والمغلوطة. وإحدى النتائج الواضحة لذلك هي إضعاف القدرة التحليلية – أي القدرة على التمييز بين الأساسي وغير الأساسي، والحقيقة وغير الحقيقة.
وعندما يكون التعليم الحكومي يفتقر للكفاءة المنشودة، والتعليم الخصوصي خداعاً، والمنافسة شرسة على الوظائف البسيطة، فإن الظروف تكون ناضجة ليس للثورة، مثلما يطيب للماركسيين أن يقولوا، وإنما لهجرة جماعية إلى شاشة الهاتف الذكي.
والسياسيون البارعون في وسائل التواصل الاجتماعي مثل رئيس الوزراء ناريندرا مودي والرئيس البرازيلي جايير بولسونارو يستطيعون الاستفادة فقط عندما تخلط السياسة بالترفيه، وتنبعث الإعلانات الانتخابية وفيديوهات بوليود من الشاشة المحمولة نفسها.
ومع تحول مواطنين نشطين محتملين إلى مستهلكين ذوي قدرة محدودة على الانتباه، يميل الكثيرون إلى الضغط على أزرار أجهزة التصويت بالروح غير المسيسة نفسها التي يُضغط بها على أيقونة «إعجاب» على فيسبوك وإنستجرام وفيسبوك.
ولكن السلوك الاجتماعي المريض الذي تتسبب فيه الهواتف الذكية أكثر إثارة للقلق، وإن كان أقل بروزا. فالهند، وهي مجتمع محافظ إلى حد كبير، أصبحت بسرعة ثالثَ أكبر سوق للأفلام الخليعة على الإنترنت، ومعظمها عنيف للغاية. غير أن الإدمان المتزايد على الأخبار الكاذبة هي مجرد أعراض لأزمة متشعبة وأعمق في الهند – أزمة تسبب فيها تحولٌ سريع ومبكر، من النصوص الخطية إلى الشاشات، ومن التفكير النقدي إلى الاستهلاك السلبي، ومن الكتابة إلى صنع الصورة.
العقد الاجتماعي في الديمقراطيات يعتمد على رؤية مشتركة للواقع بين المواطنين. ولكن ما الذي يحدث عندما تصبح صور مفبركة ومتلاعب بها بشكل ممنهج واقعاً بديلاً جديداً بالكامل؟ هذا السؤال يشغل حتى المجتمعات المتعلمة والعلمانية إلى حد كبير في الغرب اليوم. ولكنه سؤال ملح بشكل خاص في المجتمعات المتعلمة جزئياً والمتدينة بشكل كبير، حيث لدى الأسطورة والسحر سطوةٌ كبيرة على المخيلة البشرية، وحيث عادات التفكير العقلاني سطحيةٌ بين الكثيرين حتى ضمن نخبة البلاد الأفضل تعلماً.
معظم تاريخ الغرب يسجل كيف أضحت صور الدين والأسطورة محل طعن وتحدٍّ من قبل الكتابة والفكر العقلاني والوعي التاريخي والمعرفة العلمية. وفي هذا الصدد، لعب العقل دور «محطِّم الأصنام»، الساعي لتحطيم السلطة غير العقلانية للدين والأسطورة من خلال أدواته التحليلية الموضوعية.
في الهند، مسيرة التقدم هذه المخطط لها بالكاد بدأت، ولكنها في الحقيقة سرعان ما عُكست في السنوات الأخيرة. والأسطورة البشرية، التي تنقل عبر فيسبوك وواتساب بدلا من العقل الموضوعي، صعدت إلى الواجهة باعتبارها «محطم الأصنام» الحقيقي، وهي تدمّر حالياً إمكانية الحوار العقلاني الذي طالما بدا أساسياً للديمقراطية.
وفي سخرية سريالية، يقود عملٌ ينم عن براعة علمية مذهلة – الهاتف الذكي – مئات الملايين من الناس إلى فجر عصر سحري أسطوري جديد.
وبالنظر إلى هذا النكوص الجماعي إلى الخيال، يبدو غير مهم تقريباً من سيفوز في الانتخابات الهندية أو من سيخسر فيها الشهر المقبل، وذلك لأن الهاتف الذكي يعيد تكوين الطبيعة البشرية بشكل دراماتيكي في الهند حالياً.

*كاتب هندي

ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس»