رغم تهاوي أسوار الإسلام السياسي، واحداً تلو الآخر، في المنطقة العربية تحديداً، إلاّ أن «الإخوان» (لا يقرون بهزيمة مشروعهم الذي يمر في دورته الأخيرة من لفظ الأنفاس في المنطقة) بحسب ما يقول ميخائيل فرادكوف، مدير المخابرات الخارجية الروسية، في تقرير مطوّل حول علاقة «الإخوان» ببريطانيا الداعمة لهم منذ وقت مبكر، بسبب عدائها للحركة القومية التي مثّلها في مصر الستينيات الرئيس جمال عبد الناصر. إن خذلان حركة «الإخوان» وسقوط مشروعها السياسي في كامل المنطقة، لم يكن سببه أخطاء ارتكبوها عند تسلمهم السلطة هنا أو هناك، في هذا البلد أو ذاك، حيث مارسوا سياسة الإقصاء والإلغاء للآخر، وخطف الدولة باعتبارها غنمية، كما ثبت بالتجربة، ليقوموا بنهب منظم للثروات ومقدرات الشعوب. إنما السبب هو أن فكر «الإخوان» المغذي الأول للإسلام السياسي في المنطقة العربية منذ ثمانية عقود، ليس صالحاً للعصر، ولن يكون، لأنه مفلس في الأساس، ولا يقوم على الدين الإسلامي كما يدّعون.
الإسلام السياسي، وأياً كانت منطلقاته وشعاراته وبرامجه، لن تجد له بعد اليوم على الأرض العربية من يتقبله أو يستمع إليه أو يقيم له وزناً أو يحاوره، فحتمية سقوط فكر الإسلام السياسي تعدّت القناعة الشخصية لتصبح حالة عقلانية عربية تتجذّر يوماً بعد آخر لدى المواطن العربي، وما اعتراف د.عائض القرني واعتذاره إلى الشعب السعودي عبر القنوات الفضائية الخليجية، عن أعماله في (حركة الصحوة) الإخوانية، سوى تعبير واضح على خطل هذا الفكر.
لا يجب الاعتقاد أن مثل تلك الاعترافات والاعتذارات أتت بسبب من انكشاف أصحابها واستشعارهم لخطورة المصير والطريق التي يسيرون فيها فقط، بل أتت أيضاً كنتيجة طبيعية لصحوة الشعوب القائمة على الوعي والمعرفة واستشراف أفق تلك الحركات الإسلامية على اختلاف ألوانها وطروحاتها وشعاراتها التي ضربت المنطقة. لقد كان الجهل أحياناً هو الحبل السري المغذي للإسلام السياسي، واستمراره في أوهامه في كامل الأمكنة والمجتمعات التي حل فيها، لذلك فإن هؤلاء الحركيين الإسلامويين، يعلمون جيداً ماذا يمكن أن تفعل بهم صحوة الشعوب حينما تصل إلى ذروة نضجها كما حالها اليوم. مثل هذه الاعترافات والاعتذارات التي سنشهد على غرارها الكثير في المستقبل المنظور، يحارُ المرء في أية قائمة يدرجها: هل يدرجها في قائمة التوبة النصوح القائمة على الصدق والتبرؤ مما كان، أم يدرجها في قائمة طلب العفو عما سلف، أم يضعها في قائمة القصاص الذي غالباً ما يعقب الاعتراف في المجتمعات المتحضرة؟ إن جردة نتائج أعمال (حركة الصحوة)، التي نشأت في الثمانينيات، تثبت بأن أذاها لم يقتصر على الشعب السعودي وحده، بل عمّ قطاعات واسعة من شعوب منطقة الخليج العربي، وأهلك العديد من شبابها الذي جرى تضليله ودفعه، ليكون وقوداً لهلاك عابر للجغرافيا، فما المتوقع من هذه الشعوب عمله تجاه من غرر بأبنائها وسيّرهم في دروب المنايا بفتاوى ما أنزل الله بها من سلطان؟ لقد بدت لي تلك الاعترافات والاعتذارات كما لو أن مشروع الإسلام السياسي بأكمله يقطع تذكرة ذهاب بلا عودة في قطار الهاوية.