السلطة الذكورية العنصرية للرجال البيض لن تختفي قريباً. لقد جاءت ساعتها. ولها رئيس يمثلها. فقد ذكر مركز بيو البحثي في تحليل للعرقية والنوع وسط المسموح لهم بالتصويت في انتخابات 2016 الرئاسية أن الرجال البيض هم الجماعة الوحيدة التي صوتت بأغلبية -بلغت 62%- لدونالد ترامب، وإن تكن أكثرية من النساء البيضاوات بنسبة 47% قد صوتن أيضاً لصالح ترامب.
ونحن نشاهد الآن عرضاً فظيعاً من ممارسة الرجال البيض للسلطة والقوة والامتياز وهو استعراض يراد به التأكيد على أنهم سيقاتلون بقوة أي زخم تجاه إحلال سكاني لهم مهما كان من صعوبة التغلب على منطق الأرقام. والخوف من إحلال آخرين محل الرجال البيض يمثل دافع حفز نفسياً قوياً ويبقي قاعدة المؤيدين لترامب متحفزة ونشطة. هذا الخوف يحافظ على تمسك المزارعين بالأمل ويجعلهم يلتمسون أعذاراً له رغم أن حربه التجارية تدمر نشاطهم الاقتصادي. وهذا الخوف يحافظ على ولاء أصحاب صناعة الفحم في البلاد رغم أن الوعود بإعادة إحياء صناعة الفحم تبدو بلا معنى. وهذا الخوف يبقي الناخبين البيض في حزام الصدأ متحفزين ينتظرون اليوم الذي سيعيد ترامب فيه إليهم الصناعة بقوة سحرية. ويبقي هذا الخوف الناخبين البيض في الجنوب متحفزين بشأن قضية الهجرة و«غزو» و«عدوى» سكان أميركا اللاتينية.
لقد كان وعد ترامب السياسي المحوري هو تصعيد وحماية ودعم البيض وخاصة الرجال البيض الذين يخشون التغير في التركيبة السكانية وفقدان المكانة والامتياز. فقد ذكر موقع فوكس (Vox) للأنباء عام 2017 أن البيض من كل الإيديولوجيات، بمن فيهم ليبراليون، أصبحوا أكثر محافظة حين واجهوا حقيقة أن ارتفاع عدد الأقليات يعني فقدان هيمنة البيض. وصرح عالم النفس جوناثان هيدت في الآونة الأخيرة لموقع فوكس للأنباء أنه «بروز التعدد الثقافي بشكل أكبر، ظهر رد فعل ضده في اليمين وهذا جذاب للعقلية السلطوية ويستهوي المحافظين الآخرين. وأعتقد أن هذا ما حدث وهذا ما يمثله ترامب، ليس تماماً بالطبع لكن بالتأكيد يمثل عاملاً كبيراً فيه».
الأمر يتعلق بحشد مناصب القضاء بالمرشحين البيض والهيمنة على النساء وتقييد التصويت وسط غير البيض والجماعات الأقل محافظة والسيطرة على تدفق المهاجرين إلى البلاد الذين لا يدعمون عدد السكان البيض. لكن ملء وظائف القضاء بالبيض قد يكون هو ما يجعل باقي الأمور ممكناً. وزعيم الأغلبية في مجلس الشيوخ يدفع بتيار متواصل من القضاة الاتحاديين من أقصى اليمين وهو بذلك ينتهك السوابق ويسمح بتأكيد تعيينهم رغم معارضة أعضاء مجلس الشيوخ الممثلين للولاية التي يعين فيها القضاة.
والموافقة في الآونة الأخيرة على تعيين جوزيف بيانكو في الدائرة الثانية من محكمة الاستئناف ومقرها نيويورك كانت المرة الثامنة والثلاثين التي يوافق فيها ترامب على قاضي محكمة جزئية بحسب تقرير واشنطن بوست الذي جاء فيه أن «هذا عدد من القضاة أكثر من العدد الذي عينه أي رئيس في هذه المرحلة من فترة الولاية الأولى وهو يعني أن واحداً من كل ست مقاعد في محاكم البلاد الجزئية يشغله قاض من ترشيح ترامب» وهذه التعيينات لمدى الحياة. ولذا، حتى إذا تغيرت التركيبة السكانية في حياة المرء، فهؤلاء القضاة لن يتغيروا.
وأشار تقرير صادر عن مركز «خدمة أبحاث الكونجرس» البحثي في الآونة الأخيرة إلى أن 90 من القضاة الذين رشحهم ترامب في المحاكم الجزئية كانوا من البيض وأن 92% من الذين تم تعيينهم كانوا من البيض. ومن بين الرؤساء الحديثين، كان رونالد ريجان هو الرئيس الوحيد الذي عين نسبة أكبر من هذه التي عينها ترامب من القضاة البيض.
وكان 80% من مرشحي ترامب في القضاء من الرجال وتم تعيين 74% من الرجال. ولا شيء من هذا يمكنه منع التغيير لكنه يبطئه. والاستراتيجية تتمثل في العثور على طريقة للحفاظ على تفوق البيض وهيمنتهم دون الحاجة إلى أغلبية بيضاء في الولايات المتحدة. المشكلة هي أنه إذا أصبح البيض الأقلية في أميركا، فإن البلاد نفسها ستتحرر من نموذج حكم الأغلبية إلى نموذج حكم الأقلية. وترامب سيظل الرئيس لعامين آخرين وقد يظل -لا قدر الله- رئيساً لمدة ست سنوات، لكن هذا التوتر والمأزق في السلطة سيتواصل. وحالياً مازال الرجال البيض يسيطرون على جانب كبير من السلطة في هذه البلاد.
* صحفي أميركي
ينشر بترتيب خاص مع خدمة «نيويورك تايمز»