شكلت القمّة الـ14 لمنظمة التعاون الإسلامي التي تضم 57 دولة، ثالث اجتماع على مستوى قادة الدول استضافته مكة بعد قمتين خليجية وعربية ليلتي الخميس الجمعة الماضيتين، وانعقدت هذه القمم الثلاث في خضم توترات بين إيران والولايات المتحدة. وتدهورت العلاقات بين واشنطن وطهران سريعاً منذ إعلان الرئيس الأميركي دونالد ترامب في 2018 انسحاب بلاده من الاتفاق النووي، ومؤخراً بعد تشديد العقوبات الأميركية على قطاع النفط الإيراني بداية مايو الماضي. وكانت واشنطن قد أرسلت تعزيزات عسكرية إلى الخليج لمواجهة التهديدات الإيرانية. وفي المؤتمر الصحفي الذي تلا انعقاد القمة العربية، حيث كان لي شرف حضوره مع صفوة من المفكرين العرب، أكد أحمد أبوالغيط، أمين عام الجامعة العربية، أن القمة العربية الطارئة بمكة المكرمة، جاءت لكي ترسل رسالة واضحة وحازمة للغاية بعد التدخل في الشأن الداخلي للدول العربية.. وأشار أبوالغيط إلى مطالبة قادة الدول خلال القمة بوضع استراتيجية واضحة للأمن القومي العربي، مؤكداً أن رد الفعل العربي كان سريعاً للغاية لانعقاد هذه القمة. كما أكد أن الدول العربية والجامعة العربية لا تدفع نحو مواجهة في منطقة الخليج، بل تطالب بعودة الاستقرار وتحقيق الهدوء، لكن بشرط احترام الحقوق العربية ووقف أي تدخلات خارجية في الشأن العربي.
وأعربت الدول الإسلامية في بيان قمتها عن التضامن مع الرياض، وعن الدعم «اللامحدود لجميع الإجراءات التي تتخذها لحماية أمنها القومي وإمدادات النفط»، مدينين الحوادث الأخيرة.
كما حضرت مسألة الاعتراف الأميركي بسيادة إسرائيل على مدينة القدس المتنازع عليها، في البيان الختامي للقمة، والتي أكدت أيضاً رفضها اعتراف إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب بسيادة إسرائيل على هضبة الجولان السورية، واستنكرت «نقل سفارتي كل من الولايات المتحدة وغواتيمالا إلى مدينة القدس». وأكد قادة الدول الإسلامية على أن «أي مقترح يقدم من أي طرف كان» لا يتبنى «الحقوق الفلسطينية» و«لا يتسق مع المرجعيات الدولية المتفق عليها والتي تقوم عليها عملية السلام في الشرق الأوسط، مرفوض»، داعين إسرائيل إلى الانسحاب من الأراضي التي احتلتها بعد عام 1967 والاعتراف بدولة فلسطينية مستقلة وعاصمتها القدس الشرقية.
وجاءت مواقف الدول الإسلامية قبل الكشف عن خطة سلام أميركية توصف بأنها «صفقة القرن». ويتوقع أن تطرح الولايات المتحدة الجوانب الاقتصادية لخطة السلام هذه، خلال مؤتمر في البحرين يومي 25 و26 يونيو/حزيران المقبل.
وبالنسبة للجولان السوري، أكد المجتمعون في مكة إدانة «القرار الأميركي الخاص بضم الجولان للأراضي الإسرائيلية، واعتباره غير شرعي ولاغياً ولا يترتب عليه أي أثر قانوني». وأعلن الرئيس الأميركي في 21 مارس اعتراف بلاده بسيادة إسرائيل على هضبة الجولان السورية التي احتلتها إسرائيل عام 1967، وهو قرار يتعارض مع المسار الذي انتهجته واشنطن منذ عقود في هذا المجال.
أبو الغيط حيا سرعة تجاوب الدول العربية لانعقاد القمة العربية، وعلى مستوى تمثيلها الرفيع في القمة، وهذا أمر جيد للغاية، وإن كان الطريق لا يزال طويلاً لتحقيق ما حققته منظمات جهوية أخرى، كالاتحاد الأوروبي الذي تمكن من إنجاز كل ما تحقق إلى حد الساعة، بفضل بنية مؤسسية وتنظيمية جعلت منه نظاماً سياسياً وقانونياً وحدوياً له اليوم احترام وتقدير قلّ نظيرهما. فالقادة الأوروبيون يتجاوزون الفكرة القومية إلى ما هو أعلى منها وأكثر ملاءمةً لتطور الأحوال والأزمان.. وهذا التجاوز يتم من الدولة-الأمة، مثل ألمانيا أو إيطاليا، إلى ما هو أعلى منها وأوسع وأشمل، بينما تعثرت الفكرة العربية ولم تستطع أن تتجسد في دولة-أمة كي تنظر في إمكانية تجاوزها إلى ما هو أعلى وأوسع وأرقى.
القمم الثلاث توحي بأن كل شيء ممكن وأن العرب لديهم كل العوامل التي يمكن أن تجمعهم وتجعلهم يشتغلون في ظل الوحدة والتعاون، فقط الإرادة يجب أن تكون دائمة وأن تؤسس على أصول لا تحور ولا تبور.