دبلوماسية القمم هي المقاربة المفضلة في تناول القضايا الكبيرة، مع القيادات صانعة القرار السياسي مباشرة. وما يزيد من أهمية تلك المقاربة هو الثقة المتبادلة ووجود عوامل كثيرة تقرّب اللغة المشتركة بين القادة في فهم القضايا المطروحة التي تحتاج إلى اهتمام ومعالجة مشتركين، خاصةً في المسائل الطارئة.
وفي هذا الشأن، أكد صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان ولي عهد أبوظبي نائب القائد الأعلى للقوات المسلحة، أن الظروف المعقدة التي تمر بها المنطقة العربية، والتحديات والمخاطر التي تواجهها، تضع الدول العربية أمام مسؤولية تاريخية، من أجل بناء موقف عربي فاعل وموحّد للتعامل مع هذه التحديات والمخاطر، بما يصون سيادة العرب وأمنهم ومصالحهم العليا، ويتصدى لمحاولات التدخل في شؤونهم، ويضمن حق الشعوب العربية في الأمن والسلام والاستقرار والتنمية.
وفيما يخص نتائج القمم الثلاث في مكة المكرمة، أكد الدكتور أنور قرقاش وزير الدولة للشؤون الخارجية، أن العالم العربي رفض بالإجماع التدخلات الإيرانية في شؤونه، وأرسل رسالة عاقلة وحازمة في ظروف إقليمية ودولية صعبة، مؤكداً أن رسالة العرب من مكة المكرمة واضحة وصريحة.
هدف المملكة العربية السعودية من القمم الثلاث، هو إطلاع الدول العربية والإسلامية على الوضع الراهن في منطقة الخليج العربي، والتشاور معها للخروج بموقف جماعي. المصادر الرسمية تؤكد على نجاح باهر للقمم الثلاث، الخليجية والعربية والإسلامية، وكذلك مفردات ودلالات لغة البيانات الختامية، وأولها أن تنظيم المملكة العربية السعودية لثلاث قمم في وقت واحد، هو نجاح بامتياز.
وعلى هامش مؤتمرات القمم، أطلعت السعوديةُ قادةَ وفود 56 دولة مشاركة على نماذج الصواريخ الباليستية والمعدات والأسلحة الإيرانية التي استخدمتها المليشيات الحوثية الإرهابية المدعومة من إيران في استهداف المملكة.
وبقراءة سريعة لكلمات الوفود، نجد فيها تفهماً عربياً للمخاطر التي تواجه منطقة الخليج العربي، وإدانةً واضحة لتغول إيران بمليشياتها الحوثية التي استهدفت طائراتها المسّيرة محطتين لضخ النفط، ودعماً لموقف الإمارات فيما يخص الأعمال التخريبية التي طالت السفن التجارية قرب مياهها الإقليمية.
وقد جاءت رسالة دول مجلس التعاون في هذه القمم واضحةً لبعض الدول التي يصحو ضميرها عند مطالبة إيران بالكف عن اعتداءاتها، بوساطة وكلائها في المنطقة، ولا نرى لها صحوة مماثلة عند تعرض مصالح اقتصادية خليجية عربية للتخريب. وبينما تمسك العراق بموقفه الرافض لإدانة إيران، فإن لبنان في هذه المرة تحرر من «النأي بالنفس» واصطف مع الموقف العربي.
في القمم الثلاث اتضح كل شيء، وهو أن دول مجلس التعاون حريصة كذلك على جارتها إيران، وقد تجسد هذا الحرص فيما عبّرت عنه المملكة العربية السعودية بقولها: «إن دول مجلس التعاون لدول الخليج العربية لديها الرغبة في السلام والتعاون مع إيران، لكن يجب على إيران قبل ذلك أن تكف عن دعم الأعمال الإرهابية، وأن تكون جاراً متعاوناً مع الدول العربية».