بالتأكيد يسعى ترامب إلى إلغاء كل ما فعله أوباما، لكن المثير للجدل هو سعى الرئيس لإضعاف معايير الانبعاثات حتى يمكن للسيارات المصنوعة في أميركا أن تلوث أكثر، وحتى يتنفس أطفالنا هواء أكثر تلوثاً في عصر تغير المناخ وفي وقت أخذت فيه أنظمة الطاقة النظيفة تصبح الصناعةَ العالمية العظيمة التالية، والصين تسعى للهيمنة عليها.
والحال أن تلك هي المبادرة التي انكب عليها ترامب مؤخراً: سياسة صناعية من أجل إعادة إحياء كل صناعات الماضي الملوِّثة وإضعاف صناعات المستقبل النظيفة.
إنها مبادرة سياسية ليست ضارة فحسب، ولكنها أيضاً تفشل كلياً في ربط النقاط الكثيرة جداً التي تضر حالياً بأمننا القومي، واقتصادنا، ومناخنا، ومنافستنا مع الصين.
فكر في النقاط التي يرفض ترامب ربطها بعضا ببعض:
النقطة رقم 1: أزل من رأسك مصطلح «الاحتباس الحراري». فما يحدث في الواقع يمكن وصفه بـ«التغريب العالمي». ذلك أن ارتفاع حرارة الجو يجعل المناخ غريباً. فالحار يزداد حرارة. وبعد ذلك، يؤدي هذا إلى تبخر أكبر، ما يعني أن ثمة بخار ماء أكثر في الغيوم من أجل التساقطات. ولهذا، يزداد الرطب رطوبة وتزداد الفيضانات اتساعاً. ولكن فترات الجفاف في المناطق الجافة تزداد جفافاً أيضاً.
النقطة رقم 2: في 30 مايو، أعلنت هيئة المناخ الوطنية أنه في الولايات المتحدة القارية، «لم يسبق أن شهدت المنطقة 12 شهراً أكثر رطوبة من الفترة التي انتهت مؤخراً»، منذ أن بدأ الاحتفاظ بسجلات قبل 124 عاماً، وفق شبكة الـ«سي إن إن». ولكن هذا «التغريب العالمي» لم يدمر مزارعي منطقة الغرب الأوسط فحسب، ما تطلب دفع أموال تأمين ضخمة، ولكنه دمر أيضاً الجيش الأميركي.
فقد اضطرت القوة الجوية لطلب 4.9 مليار دولار من أجل إصلاح قاعدتين فقط دمرتا بسبب المناخ.
النقطة رقم 3: في 6 يونيو، وقّع ترامب قانون إغاثة من الكوارث بقيمة 19.1 مليار دولار وغرد متفاخراً: «لقد وقّعتُ لتوي مشروع قانون إغاثة لضحايا الكوارث قصد مساعدة الأميركيين الذين تضرروا من العواصف الكارثية الأخيرة. وهذا مهم للغاية لمزارعينا الأميركيين العظام».
النقطة رقم 4: في اليوم نفسه، أفادت صحيفة «نيويورك تايمز» بأن أكبر مصنعي السيارات في العالم حذّروا الرئيس ترامب يوم الخميس من أن أحد جهوده الرامية لرفع القيود القانونية – مخططه لإضعاف معايير تلوث عوادم السيارات – يهدّد بتقليص أرباحهم والتسبب في اضطراب «لا يمكن تحمله» في قطاع الصناعة المهم جداً.
وفي خبر آخر كشفت الصحيفة عن رسالة وقّعتها 17 شركة من بينها فورد وجنرال موتورز وتويوتا وفولفو، طلب صناع السيارات من ترامب العودة إلى طاولة المفاوضات بخصوص التراجع المزمع عن واحدة من سياسات الرئيس باراك أوباما البارزة لمحاربة تغير المناخ.
وأوضح الخبر أن قانون ترامب الجديد «من شأنه أن يلغي تقريباً الأنظمة واللوائح المتعلقة بالتلوث الناجم عن السيارات التي تعود لعهد أوباما، حيث يحدد معايير الفعالية في استهلاك الوقود في نحو 37 ميلاً (أي ما يعادل 59.5 كيلومتر) للغالون الواحد بحلول 2025». ولأن كاليفورنيا و13 ولاية أخرى ملتزمة بتحقيق معايير إدارة أوباما أو معايير أعلى، وستلجأ إلى القضاء لضمان حقها في فعل ذلك، فإن ذلك سيقسّم سوق السيارات الأميركية إلى سوقين – وهي مشكلة كبيرة جداً بالنسبة لشركات السيارات.
وللأسف، عندما يقوم المرء بربط كل هذه النقاط بعضها ببعض، فإنها ترسم خطاً يشير إلى الوراء مباشرة:
فترامب يحاول خفض معايير الفعالية في استهلاك الوقود/الانبعاثات التي كانت تجعل شركات السيارات الأميركية أكثر تنافسية أمام شركات صناعة السيارات اليابانية والصينية التي تتميز بالفعالية في استهلاك الوقود – وتجعل هواءنا أنظف – بينما يوقّع ترامب برامجَ إغاثة مالية بمليارات الدولارات لصالح المزارعين وقواعد القوات الجوية التي تضررت جراء الظروف المناخية الشديدة التي تفاقمت واشتدت نتيجة تغير المناخ الذي تضخم نتيجة تلوث الكربون، بينما يوعز ترامب لإدارييه بإخفاء دلائل على تغير المناخ، وبينما يُجبر ترامب الأميركيين على دفع المليارات من الرسوم الجمركية على الواردات من الصين من أجل حماية الشركات الأميركية من المنافسة المقبلة للسيارات الكهربائية الصينية، من بين أشياء أخرى، التي تتميز بصفر انبعاثات وصفر في استهلاك البترول! والحال أن هذا ليس عملاً استراتيجياً، وإنما عمل مدمر!
*كاتب أميركي
ينشر بترتيب خاص مع خدمة «نيويورك تايمز»
https://www.nytimes.com/2019/06/11/opinion/trump-climate-change.html